
في ظل الأزمة العامة التي تمر بها الكويت و استشراء الفساد، وما تتطلبه المرحلة من توحيد صفوف القوى المعارضة للنهج القائم، وتحديد بوصلة الصراع الحقيقي والقضايا الرئيسية، تأتي بعض الأصوات النشاز لتشتت هذا النسق، وتخلق معارك وقضايا هامشية تتكسب منها انتخابيا، فبدلا من أن تراقب الأداء الحكومي نجدها تراقب تصرفات الناس!
ولعل التصريحات الأخيرة لبعض النواب والقوى الدينية انعكاس لهذا المشهد، فبعضهم يريد فرض معتقداته وفتاويه، والبعض الآخر يسعى لتقويض النظام المدني للدولة وفرض مشروع الدولة الدينية، وأجندة تيارات الإسلام السياسي فيما يسمى بـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» التي تهاوت واضمحلت في عدد من البلدان القليلة التي كانت تتبناها.
هذه التصريحات الاستفزازية لا أراها إلا مزايدات، فليس من المعقول جعل قضية كمنع الاختلاط والموسيقى وممارسة «اليوغا» وإغلاق «الكافيهات» في نهار رمضان أشد أهمية وخطورة من معاناة المواطن البسيط من الخدمات العامة وتدني مستوى التعليم وتفاقم مشكلات السكن وارتفاع الإيجارات والغلاء المعيشي، وارتفاع معدلات البطالة ومعاناة البدون وقضايا الفساد ونهب المال العام!
الدين أمر ثابت ومقدس، بينما السياسة أمر متحرك ومتبدل، فاستغلال الدين في السياسة يجعل من الدين سلعة للمتاجرة السياسية والانتخابية من قبل البعض لتأمين مصالحها الخاصة وتحقيق مآرب سياسية باستغلال الإنسان البسيط باسم الدين، ولذا فإن عدم زج الدين في الشأن السياسي هو احترام للدين ولقدسيته.
الكويت كدولة مدنية، هكذا يفترض، يجب ألا تقبل بفرض أيّ فرد لقناعته الفكرية ومعتقداته الدينية على الآخرين وفقا للمادة 35 من الدستور التي تذهب إلى أن حرية الاعتقاد مطلقة، وأن الدولة تحمي حرية القيام بشعائر الأديان.
وللأسف، فإن الحكومة ضعيفة أمام ضغوط التيار الديني في التضييق على الحريات الشخصية والعامة والوصاية على حياة الناس الخاصة وتصرفاتهم، ويبدو أن قصر نظر الحكومة لا يقتصر على الوضع الداخلي، فهناك أيضا علاقة عكسية بين الانفتاح في دول الجوار والتضييق والتزمت في بلدنا.
ختاما، علينا التصدي بروح من المسؤولية الوطنية لما يمارس من إرهاب فكري ، والتحذير من أفكار ظلامية وما ينتج عنها من عنف وإقصاء وتكفير وعدم تعايش لكل ما هو مختلف عنها.