التخطيط الاستراتيجي.. «الكترا و سوفوكليس»

كتبت نوف الفرحان:

مما لا شك فيه أن كل مجتمع بغض النظر عن شكله ولونه وثقافته، إلا ويسعى للتميز وتبوء المكانة العالية، والمرتبة الرفيعة، ما يجعله موضع تقدير الأمم الأخرى، وهذا لا يأتي من فراغ أو حظ، بل عبر العمل الدؤوب، وبذل الكثير من الجهد. 

وما وصلت إليه هذه المجتمعات المتقدمة من فكر استراتيجي ما كان إلا بعد أن أزهقت الأرواح، ودمرت المقدرات، واستنزف البشر فترات طويلة من أعمارهم وهم يحاربون ويقاتلون، منذ الأزل وحين كان يظن كل إنسان أنه الأحق، وكل قبيلة أنها الأعرق، وكل مجتمع أنه المختار، وباسم الأفضلية شنت الحروب، وقامت المعارك والمجازر، وصولا إلى خمسينيات القرن الماضي حين ظهرت الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي. 

كانت البداية الحقيقية للاستراتيجيات في اليونان القديمة، وقد أدت الزيادة الكبيرة في عدد السكان إلى نهاية العصر المظلم، كما أن الطبيعة الانقسامية للمجتمع اليوناني القديم جعلت الصراع المستمر أمرا لا مفر منه، ما أدى إلى ظهور التخطيط الاستراتيجي، أو الاستراتيجية الحربية، من خلال التخطيط للحرب وتنفيذها، بما في ذلك تخطيط الحملات وإجراءاتها، وحركة القوات وترتيبها، بحيث يؤمن القائد لنفسه ميزة القتال في مكان ملائم له وخادع للعدو، وبذلك تكون الاستراتيجية شاملة لتحقيق النصر. 

وتعتمد الخطط على العديد من الاستراتيجيات، التي تندرج تحتها العديد من الأمور والخطط وطرق التنفيذ:

الاستراتيجية السلامية أو الفلنكس:

هي استراتيجية تعتمد على الرماح المتتالية في الرتل الواحد لهذه التشكيلة، التي تتخذ شكلا مقاربا لسلاميات اليد أو الرجل. 

استراتيجية حرب الاستنزاف:

وهي استراتيجية تقوم على إضعاف العدو ودفعه إلى الانهيار عن طريق إحداث الخسائر البشرية أو العسكرية، كي يتم الانتصار في حرب ما. ورغم أن أغلب العلماء العسكريين خلال التاريخ ينظرون لحروب الاستنزاف كشيء يجب تفاديه، إذ أنها تمثل محاولة لطحن العدو من خلال الأعداد المتفوقة، وهذا الأمر يخالف المبادئ العادية للحروب، حيث تتحقق الانتصارات الحاسمة من خلال المناورات، وتركيز القوة، والمفاجأة، وغير ذلك.

استراتيجية فابيان: 

هياستراتيجية تعتمد على تجنب المعارك الحاسمة أو المواجهات المباشرة لجر الخصم إلىحرب استنزافبالوسائل غير المباشرة، في أثناء ذلك، يقوم الجيش الذي يطبق هذه الاستراتيجية بمضايقة العدو من خلال المناوشات وتعطيلالإمداداتوالتأثير على معنويات العدو. وتستخدم هذه الاستراتيجية عندما يعتقد الجانب الأضعف أن الوقت في صالحه، كما تستخدم عندما لا يكون هناك أي استراتيجية بديلة ممكنة. 

استراتيجية الخداع العسكري:

 هياستراتيجية تشير إلى محاولات تضليل قوات العدو خلالالحرب، من خلال إطلاق أو تضخيم حالة ضبابية عبر العمليات النفسية، وحرب المعلومات، والخداع البصري، وغيرها من الوسائل. 

استراتيجية الحرب الدفاعية: 

هي نوع من العقيدةالعسكريةوالتخطيط لمجموعة من الأنشطة القتالية حيث تستخدم من أجل ردع ومقاومةالهجومالمعادي، سواء كان بريا أو بحريا أو جويا.

استراتيجية كتائب الهوبليت:

 هياستراتيجية تعتمد على تشكيل لجنود الهوبليت، المشاة المدرعين والمسلحين بالرماح والدروع، وكانوا يسيرون مع إغلاق دروعهم مع بعضها ورماحهم موجهة نحو الأمام. 

أما بالنسبة للإدارة الاستراتيجية، فقد قامت على يد العالم «سشتر» الذي ركز على المهام، والعالم «شاندلر» الذي ركز على البناء التنظيمي والهيكلي، ليتم تعريف الإدارة الاستراتيجية على: أنها مجموعة من القرارات والممارسات التي تصدر من أعلى مستوى في المنظمة، لاتخاذ القرارات على أعلى مستوى، كما تم تعريف الاستراتيجية بأنها خطة شاملة، تحدد كيفية تحقيق الأهداف المستقبلية، وتكمن أهميتها بالتنبؤ بالمستقبل. 

وتتضمن عملية التخطيط الاستراتيجي سلسلة من الخطوات المنطقية والمنظمة والهادفة، وبمشاركة كافة المؤسسات القيادية في المؤسسة، وللدخول إلى جوهر عملية التخطيط الاستراتيجي لا بد من إدراج بعض الأسئلة الهامة التي تساعد في عملية التخطيط: 

أين نقف اليوم؟ 

أين نرغب أن نكون في المستقبل؟ 

كيف نحقق الانتقال إلى المستقبل؟ 

كيف نقيس التقدم في عملية الانتقال؟ 

كيف نصحح المسار ونعدل الطريق إن لزم الأمر؟ 

ومن الممكن تحديد العناصر الأساسية للإدارة الاستراتيجية، حيث يميل معظم الباحثين في هـذا المجال إلى اختصار تلك العناصر في: 

صياغة الاستراتيجية:

ويندرج ضمن تلك الصياغة تحديد الرؤيـا والرسـالة والغايـات والأهـداف الخاصـة بالمؤسسة. 

تطبيق الاستراتيجية:

ويشمل ذلك البرامج التفصيلية والمشروعات المحددة وإدارة الاجراءات والميزانيات. 

الرقابة: 

وذلك عبر تحديد مجالات القياس ومعايير الأداء والإجراءات التصحيحية. 

كما أن عملية التخطيط التي يتم الاستعانة بها دائما ما تركز على اتخاذ القرارات، من ناحية نجاحها وفشلها، كما تدعو للتكيف الاستراتيجي لحل إشكاليات النجاح والفشل، وغالبا ما يتم الاعتماد على إدارة الخطة بشكل مدروس ومعمق، للتغلب على المشاكل. 

مكونات الخطة بأبسط نموذج:

وضع الأهداف على كافة المستويات. 

صياغة البدائل الاستراتيجية. 

تحليل عوامل القوة والضعف. 

اختيار البديل الأنسب. 

لكن حين نرى الواقع الذي نعيش فيه، ونقارن ما نقرأ ونتعلم بما نرى، نكتشف أن بعض القرارات بعيدة عن التخطيط الاستراتيجي الإداري، أو أنها مازالت عند اليونان القديمة، ولم تتجاوز مرحلة التخطيط الاستراتيجي للحروب، والقرارات خير شاهد على تلك الاستراتيجيات. 

فهل استراتيجية إصدار القرارات السريعة التي نراها غير مدروسة بسبب السرعة باتخاذها ونتائجها غير المناسبة، ما هي إلا استراتيجية فلنكس؟ 

هل ما نراه من استنزاف لقدرات الشباب وإمكاناتهم، سواء بتعقيد الإجراءات لإنشاء المشاريع الصغيرة، أو عدم السماح لهم بمنافسة التجار الكبار، ما سيؤدي لانهيارهم ماديا ومعنويا، هي استراتيجية حرب الاستنزاف؟ 

هل عدم حضور الحكومة للجلسات المنعقدة، وتجنب المواجهة المباشرة مع أعضاء مجلس الأمة والشعب، هي استراتيجية فابيان؟ 

هل المسرحيات والأفلام التي تقام على مسارح الوطن، للتضليل والتغطية و«الطمطمة» على القضايا الكبرى، هي استراتيجية الخداع العسكري؟ 

هل التضييق على غير المطعمين والتركيز عليهم، بدل قضايا الفساد وغسيل الأموال والإسكان والتعليم وغيرها من القضايا المهمة، هي استراتيجية الحرب الدفاعية؟ 

هل تشكيل الأعوام الدراسية (4-4-4) أو (5-4-3)، أو تغيير النظام الدراسي (عام ومقررات ثم موحد)، (الفلاش ميموري)، (الكفايات)، (المنهج المطور)، أو الثبات على المعلومات في المناهج الدراسية مع صعوبة التطوير والتعديل، هي استراتيجية كتائب الهوبليت؟ 

 لا أملك الإجابة، إلا إذا كنت «الكترا» ابنة الملك «أجاممنون»، لكن صديقي «سوفوكليس» يقول (أشد الأسى أن ندرك أننا السبب الوحيد في كل المحن التي تواجهنا).

شاهد أيضاً

إطارات السيارات

«مقبرة الإطارات» هل انتهت؟

أخيرا وبعد 17 عاما تراكمت فيها إطارات السيارات في الصحراء، مكونة إحدى أكبر المقابر للإطارات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *