القتل السهل

كتبت نوف الفرحان :

اهتزت الكويت لجرائم صارت بمطلع الأسبوع الماضي، بنفس اليوم، قتل مصدران للأمن، حضن أم، وشرطي، وهي ليست أولى الجرائم في هذا العام، ولا في الأعوام الماضية. 

جريمة الرقة (شيخة)، جريمة صباح السالم (فرح)، جريمة طعن (الشاب البدون) ومن ثم دهسه، جريمة قتل (الشاب المصري)، جريمة كبد (الشاب الكويتي).. وآخرها الشرطي عبد العزيزرحمهم الله جميعا. 

إن عمليات القتل في المجتمعات البشرية ليست جديدة، ولا هي طارئة، أو تخص مجتمعا دون غيره، فهي ظاهرة عامة ولها أسبابها ودوافعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسيكولوجية والعنصرية وغيرها، وليس بالضرورة أن تكون المجتمعات الأكثر تطورا أقل عنفا وفتكا في بني الإنسان، بل ربما قد تكون أكثر قسوة، وأشد ضراوة على المجتمع. 

فالمجتمعات المختلفةمازالتتعاني من تفشي هذه الظاهرة، وتحاول إيجاد حلول لها بين القانون والإصلاح والعقاب وترشيد الوعي المجتمعي. لكن عوامل النجاح بقيت تراوح بمكانها، ولم تتمكن من إحداث طفرة نوعية في وقف النزيف الدموي الناجم عن تلك الجرائم. 

إن الكثير من الجرائم كان الدافع وراءها أسباب خلافية سفيهة، لا ترقى لحد الانتقام، إضافة لانتشار ظاهرة القتل الأسري بشكل مخيف، حتى أطلق عليها «ظاهرة القتل السهل»، كلها يتعذر أصحابها بشرف العائلة، تحصيل الأموال، القتل بغير قصد، الشجارات، السطو المسلح، إلا أنها كلها تدق ناقوس الخطر. 

إن ظاهرة القتل وسفك الدماء والأرواح التي تتزايد حالاتها سنويا، والخلافات المجتمعية التي باتت تنتشر وتنعكس على مجمل حياتنا، في غالب العالم وليست حكرا على بلد دون غيره. 

أهم الأسباب تفشي القتل السهل: 

غياب الوازع: 

وهو أبرز سبب أدى إلى تفشي هذه الظاهرة، سواء أكان وازعا دينيا، قانونيا، أو حتى الضمير، فالوازع هو كل ما يردع الإنسان ويمنعه من الارتكاب. 

التهاون في تطبيق القانون والنظام:

وذلك من خلال تعديل أو إلغاء أو تجميد قوانين الردع أو التشريعات السارية في مواجهة القاتل او المعتدي، وخصوصا عدم تنفيذ العقوبة الصارمة، هذا طبعا في حال الكشف عن الجناة. 

تراجع الدور الاجتماعي للعوائل: 

والتي افتقدت تأثيرها على أفرادها بشكل خاص، وعلى المجتمع بشكل عام، فلم تعد هذه العوائل جسما مؤثرا حقيقيا فاعلا في واقع الحياة الاجتماعية، إلا في مناسبات تزيد التعصب، كالتنافس على الحصص في المجالس المحلية أو الانتخابات، حيث ساهم كل ذلك في تراجع التأثير العائلي على المجتمع، وبالتالي تراجع قدرتها على التعامل مع المشاكل والخلافات الاجتماعية أو إيجاد حلول جذرية لها، وحتى على صعيد الأسر الصغيرة، دور الأم والأب صار مهمشاً في بعضها، سواء برغبتهما أم رغما عنهما. 

ضعف الدور الاجتماعي: 

من خلال المسؤولية المجتمعية في المساهمة بنشر الوعي بين فئات المجتمع الواحد، أو المساهمة في الارتقاء بالواقع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. 

الفراغ الاجتماعي:

وهو سبب لتنامي المشاعر الغوغائيةوالفكر الضيق الذي يجعل من معالجة المشاكل حتى وإن كانت صغيرة أمرا مستعصيا، ليزداد بذلك الاندفاع نحو مشاكل أكبر لإثبات الذات، في مشهد يعيد المجتمعمئات السنين إلى الوراء، بل ويذكرنا بالجاهلية الأولى، أو رجال الكهف. 

الوضع الاقتصادي والظروف الحياتية: 

والتي لعبت دورا بارزا ومهما في تنامي الظواهر السلبية والمشاكل المجتمعية الصعبة، فمن الطبيعي أن ازدياد الفقر والبطالة والتفكك الأسري والتمييز العنصري وعدم القدرة على توفير الاحتياجات، عدم الدفاع عن الفئات المهمشة ومعالجة الظلم الواقع عليها، كلها ساهمت بتردي الأوضاع الاقتصادية والحياتية. 

ضعف الدور الإعلامي: 

وما يلعبه من دور مهم في المجتمع، إما بتعزيز القيم الفاضلة، أو إعلاء القيم الهابطة. 

إضافة للجائحة والضغط الذي قامت بفرضه على العالم، مما تسبب بالغضب الذي انعكس بالاتجاه الداخلي، وجاءت افرازاته ونتائجه عكسية نحو مزيد من الفوضى والمشاكل المجتمعية فمن الطبيعي جدا أن كل تلك المؤثرات وغيرها تساهم في تنامي الفوضى وحلول عدم الثقة بين مكونات المجتمع، ما ينعكس بالسلب على الاستقرار الداخلي للمواطنين وفعاليتهم الأخلاقية، حتى لو كان المجتمع يتمتع بالرقي والتحضر، وبرغم ما يمر به من ظلم وظروف حياتية وسياسية صعبة.  

ثلاثة نقاط: 

أولا: عزاؤنا لأسرة الرشيدي بوفاة فقيدهم الشرطي عبد العزيز شهيد الواجب، وعزاؤنا لأسرة فرح، وأسرة شيخة، ولأسر كل المقتولين والمغدورين، رحمهم الله. 

ثانيا: لا بد لنا من مواجهة هذه الأزمة، وتقليل تداعياتها الخطيرة، من خلال تظافر الجهود على مختلف الأصعدة والمستويات، والقطاعات والمؤسسات، والجمعيات والمنظمات، إضافة إلى نشر الوعي المجتمعي، والعمل على تقليل المشاكل الاقتصادية ومعالجة البطالة والفقر، ولعب دور أبرز للقضاء على المشاكل الصغيرة قبل تضخمها عبر استعادة الدور الإيجابي للحكماء والمثقفين، والمؤسسات الدينية، والتربوية، والصروح التعليمية، وتعزيز دور الأسرة والوالدين. 

ثالثا: عزاؤنا للإنسانية، فحين يتجرد قلب من الرحمة، ويقتل الابن أمه التي احتضنته بقلبها قبل رحمها، ويقتل الأخ أخته، ويقتل الزوج زوجته، ويغدر الصديق بصديقه، عزاؤنا للقيم والشهامة حين يقف أحدهم ليصور بدل أن يساعد، حين يتفرج المتفرجون بدل مد يد العون، هنا يقرأ السلام على الإنسانية والخير والسلام والرحمة.

شاهد أيضاً

إطارات السيارات

«مقبرة الإطارات» هل انتهت؟

أخيرا وبعد 17 عاما تراكمت فيها إطارات السيارات في الصحراء، مكونة إحدى أكبر المقابر للإطارات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *