المحامي عيد العنزي: مع فتح باب المساءلة القضائية في الأخطاء المادية

المحامي عيد العنزي
المحامي عيد العنزي

كتب أنور علي

يصف القاضي الفرنسي «إيزوب» المحاماة بأنها من أجمل الأشياء وأقساها، وبأنها مهنة تعطي من يمارسها الفرصة لتقديم المساعدة والنفع إلى بني جنسه، يخفف عنهم عبء الشقاء وظلم الحظوظ وهي من أجمل المشاغل العقلية، تفتح أمام المحامي سبيل استخدام مواهبه. 

من هذه المعاني والصفات استضافت «الديمقراطي» المحامي عيد علي العنزي، محامي أمام محكمة التمييز والدستورية العليا، الذي دخل هذه المهنة منذ عام 1988، في حوار معه حول عدد من القضايا.

هناك فهم غير واضح لشريحة من الناس حول الفرق بين أحكام محكمة التمييز وأحكام المحكمة الدستورية، كيف يمكن أن تفسره لنا؟

تعد محكمة التمييز أعلى محكمة في سلم درجات التقاضي، وهي محكمة قانون وليست محكمة وقائع، وتختص بمراقبة أداء المحاكم الأدنى منها، كمحكمة الاستئناف والمحكمة الكلية في تطبيق القانون. 

وإذا رأت أن المحكمة الأدنى منها ارتكبت خطأ قانونيا ما، سواء في تطبيق أو تفسير أو تأويل القانون أو التناقض بين الأسباب والمنطوق، تقوم بتطبيق القانون الموجود. 

إذن هي محكمة خاصة، وليس كل القضايا «تُميّز»، وهي المحكمة الأعلى في مجال التقاضي. 

أما فيما يخص المحكمة الدستورية فهي منفصلة تماما، ويختص عملها بمراقبة نصوص الدستور، أو إذا ما تم تطبيق اللوائح الدستورية أم لا على واقعة معينة، فهي محكمة بعيدة كل البعد عن مفهوم محكمة التمييز. 

وتختص المحكمة الدستورية أيضا ببحث الطعون الانتخابية، وهنا لا نستطيع أن نقول أن المحكمة الدستورية أعلى من محكمة التمييز أو العكس، بل كلاهما أعلى درجات التقاضي، لكن لكل محكمة نطاق اختصاصها وطبيعة قضايا تعرض عليها. 

إذا كان هناك تناقض ما بين حكمين، كيف تتم معالجة هذا الأمر؟ 

لنقل مثلا أن محكمة التمييز فصلت في واقعة معينة في تطبيق القانون، بينما من يذهب إلى المحكمة الدستورية يكون الهدف الطعن على نص دستوري وليس على القضية  نفسها، وإذا رأت المحكمة الدستورية أن هذا النص غير دستوري، تلتزم به محكمة التمييز كون ليس من اختصاصها البحث في تطبيق الدستور، بل تبحث في تطبيق القانون الموجود أمامها، بينما المحكمة الدستورية تبحث النصوص الدستورية واللوائح. 

في الماضي لم يكن بالإمكان الطعن بعدم دستورية نص مادة أو لائحة مباشرة أمام المحكمة الدستورية، إلا من خلال وجود قضية وأن يكون النص الدستوري عقبة  في تطبيق مادة معينة من القانون، فيتم الدفع بأن نص المادة هذه غير دستوري، وتمتلك المحكمة سلطة إيقاف النظر في الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية للفصل فيها، وإذا قررت المحكمة الدستورية بأن هذا النص أو اللائحة غير دستوري لا يمكن للمحاكم الأخرى مخالفتها الرأي، والقول أنها دستورية كون «الدستورية» مختصة بالفصل في هذه النزاعات.  

ومؤخرا تم التعديل على قانون إنشاء المحكمة الدستورية وبات بالإمكان الطعن المباشر أمام المحكمة عبر وضع كفالة 5000 ألاف دينار، ومن ثم توجه صاحب الدعوى إلى المحكمة.  

لماذا هذا اللغط الكبير ما بين مجموعة كبيرة من المحامين في بعض أمور التفسير أو إلقاء اللوم على أحكام متناقضة، هل لدينا قصور أم عدم فهم لطبيعة عمل هاتين المحكمتين؟  

الأصل في القانون وتطبيقه اختلاف وجهات النظر، وبالتالي كل من نظر إلى القضية وفصل فيها يعرف القانون جيدا وكيفية تطبيقه، ولكن الأصل في القانون هو وجود اختلاف في وجهات النظر ولدى من يقرأ القضية ومن يكتب الأحكام والأسباب.  

القانون ليس ماكينة ندخل فيها الواقعة وتخرج منها النتيجة والحكم، بل أن القضية تعرض على بشر وهم مختلفون في وجهات نظرهم وفي فهمهم القانوني، ولولا هذا الاختلاف لكان تم الاكتفاء بمحكمة واحدة. 

هذا الاختلاف هو أمر طبيعي لأن هذه اجتهادات وتفسيرات، وقد يحمل هذا الاختلاف في ثناياه رحمة للعالمين. 

هناك قوانين كثيرة موجودة، كقانون العقوبات، كما أن هناك لنفس القضية أحكاما متشددة وأخرى مخففة، هذا التناقض ألا يجعلنا في حاجة إلى غربلة بعض القوانين؟ 

إذا رأى أحدهم واقعة معينة وأن هناك نصين قانونيين ينطبقان عليه، يستطيع أن يتمسك بالأفضل له ويدفع أمام المحكمة بأن هناك تناقضا في التشريع.  

وأي مذنب يتم تقديمه بحسب المادة الموجودة في القانون، والقاضي هو الخبير الأعلى والمراقب ومعرفة أي نص ينطبق على هذه الواقعة، فإذا كانت المحكمة تتجه لتطبيق العقوبة المشددة يُنبه القاضي المتهم إلى ذلك حتى يُحضّر دفاعه.

 وهنا نضيف أن عملية إصدار القانون من اختصاص السلطة التشريعية، وعليها حل أي تناقضات موجودة فيه.

بين فترة وأخرى يطرح موضوع استقلال القضاء، كيف تنظر إلى هذا الموضوع كمحامي؟  

نحن نفخر بالقضاء الكويتي وأحكامه المستقلة، وهو قضاء حر ومستقل. وشخصيا أتمنى لو يتم فتح باب المساءلة في موضوع الأخطاء المادية. 

هناك اتجاه كبير من قبل الشباب في الكويت إلى مهنة المحاماة، كيف ترى ذلك؟ 

مشكلة المحاماة أنها معبر وملاذ في آن واحد، ولست ضد أن يكون هناك عدد كبير من المحامين، بل ما يزعجني هم المحامون «العابرون» الذين ينتظرون تعيينا في جهة ما وذهنهم بعيد عن المحاماة ولا يريدون الاستمرار فيها. 

كل المهن تضم تخصصات وكذلك الأمر بالنسبة لمهنة المحاماة، فلا يمكن للطبيب مثلا معرفة معالجة كل الأمراض وكذلك المحامي لا يمكن المرافعة في كل القضايا. 

لديك بصمة في القضايا الإنسانية وخاصة المتعلقة بذوي الاحتياجات وهو دور مشهود لك به، حدثنا عن هذا الجانب؟ 

لا شك أنني كإنسان قبل أن أكون محاميا ألامس القضايا الإنسانية بقلبي ووجداني، فهناك قضايا كثيرة يرق قلبنا لها وخاصة قضايا هذه الفئة من الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث أن لديهم احتياجات ومتطلبات خاصة وتبذل أسرهم مجهودا جبارا في رعايتهم والعناية بهم ووجودهم يعتبر نعمة وبركة وخير من الله سبحانه وتعالى. 

ومن أبرز القضايا التي تقدمت بها في هذا المجال، كانت قضية خاصة بحفيدي الذي يعاني من التوحد، ولديه مستحقات لدى جهة الإدارة لم تصرف له، وقد رفعنا دعوى وقدمنا كل البيانات، وهي الآن بين يدي محكمة التمييز. 

 تدريس القانون في المدارس 

طالب المحامي عيد العنزي بضرورة وضع مادة دراسية لطلبة المرحلة الثانوية عن القانون، يكون الهدف منها تعليمي ومعلوماتي تبين  للطلاب معنى القانون وأقسامه وتخصصاته ومميزاته، وكذلك أن يتم بث برامج عبر تلفزيون الكويت خاصة بالقانون. 

عقوبات رادعة  

يقول المحامي عيد العنزي أنه: «لو قرأنا قانون الجزاء الكويتي لولينا فرارا، ولو تابعنا أحكام القضاء الكويتي لوجدنا العقوبات الرادعة، فمثلا جريمة الخطف عقوبة مرتكبها السجن المؤبد، ولكن المشكلة تكمن بنقص المعلومات لدى الناس وعدم متابعة ما يصدر من أحكام عن القضاء، فأنا كمحامي ومن خلال مشاهدتي للأحكام والعقوبات أحسب لكل عمل أو خطوة ألف حساب، كون قانون الجزاء الكويتي والقوانين المكملة له متشددة جدا فيما يخص العقوبات».

شاهد أيضاً

الذكرى الـ 21 لرحيل سامي المنيس

كتب علي حسين العوضي في عام 1996 كانت بدايتي في العمل الصحافي في جريدة السياسة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *