محمد الشحري | تجمع ظفار السلمي.. مشاهد وشواهد

محمد الشحري
محمد الشحري

تابعت في الأيام الأخيرة من شهر مايو الماضي (24 مايو إلى 28 مايو)، التجمع السلمي المُقام في المواقف الخارجية لميدان الاحتفالات بصلالة للمطالبة بالتشغيل، وكانت متابعتي افتراضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي (التويتر، الواتساب، الفيسبوك بشكل أقل) وعلى أرض الواقع، من خلال زيارتي للمكان أكثر من مرة. أستطيع رصد العديد من الأحداث الجديرة بالشرح والتحليل، ولكن قبل ذلك، لابد من  الإشارة إلى ملاحظة استوقفتني خلال العقد الماضي، وهي أن ما يحدث في الشمال من مسيرات وحراك شعبي، ينعكس على الجنوب على هيئة اعتصامات وتجمعات سلمية، فعلى سبيل الذكر، حينما حدث اعتصام ظفار يوم الجمعة 25 فبراير 2011،استمر 77 يوم  كان قد سبقته في مسقط، المسيرتي الخضراء الأولى (17 يناير 2011) والثانية (18 فبراير 2011).

إن المتتبع للشأن الداخلي، ويقترب من حديث الناس وتعابيرهم المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي، يجد مبررا لخروج الناس إلى الشوارع لتعبير عن أوضاعهم  الاقتصادية والاجتماعية، وقد منح تصريح معالي وزير الخارجية المتقاعد يوسف بن علوي، أثناء مقابلة مع تلفزيون السلطنة بتاريخ 23 أبريل2021،  القائل بأن « ربيع عربي واحد لا يكفي»، فُهم تصريحه على أنه دعوة لاحتجاجات شعبية، وعودة الناس إلى الميادين مرة أخرى.

لقد كان واضحا بأن أي حراك اجتماعي بصرف النظر عمن يتزعمه، سيكون عشوائيا مالم  يوجد له إطار تنظيمي وكادر إداري، وهذا ماكان عليه حراك شباب ظفار، ويعود ذلك لعدم وجود جمعيات سياسية أو قيادات نضالية عمالية، تُنظم الحشود، وتعد لوائح المطالبات،وتتقدم الصفوف الأمامية إذا دعت الحاجة. فلم يتواجد في الساحة أو يتقدم صفوف الشباب، أي من النخب الإجتماعية أو الثقافية، بالرغم من تداول رسالة نصية عبر تطبيق (واتساب) تدعو الشباب للتجمع أمام مبنى مديرية وزارة العمل بمدينة صلالة، أو ميدان الاحتفالات، رغم كل الدعوات فقد تجمع عدد قليل من الشباب، بدون أي غطاء اجتماعي، او حتى تآزر شعبي يشد من عضد الشباب، وحتى  أعضاء مجلسي الشورى الدورة الحالية ( 2019-2023)، وأعضاء المجلس البلدي، الذين صوت لهم بعض الشباب الذين أكلموا  (سن 21). وهذا ما يمكن أن نسميه عدم إلتحام العضو بالجماهير، وانتظاره لما قد تعلن عنه الحكومة. 

 كذلك فإنه من الملاحظ أن معظم الشباب هم من سكان المناطق الجبلية، أو المنحدرين منها، وهذا ما كان ملفتا للنظر أثناء اعتصام 2011. أيضا غياب الفئات المتضررة من الاجراءات الحكومية الأخيرة، وهي فئة المتقاعدين والموظفين المطالبين باستحقاق الترقيات،وكذلك فئة المطالبين بالحصول على الأراضي السكنية. 

لقد أفرز تجمع ظفار، وقفة احتجاجية موازية قامت بها مجموعة من النسوة أمام، المديرية العامة للأراضي بظفار للمطالب بتعديل قانون الأراضي الجديد الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (42/ 2021)، ويعد خروج النساء في ظفار، حدثا استثنائيا في عُمان، لم تشهده بقية مناطق السلطنة.  

لقد عبّرت لغة الخطاب المتداولة في الميدان، عما يجري في السلطنة من ظروف اجتماعية واقتصادية، مع ملاحظة مهمة وهي غياب المطالبة بالحقوق الأساسية ( حق الرأي والتعبير، حق التجمع السلمي، حق تكوين الجمعيات)، إذ لاتزال المطالب بتحسين الحياة المعيشية تتصدر المشهد، مثل المطالبة بالتشغيل وتخفيض الضرائب، وإلغاء الديون، ويعود غياب الثقافة الحقوقية بين الشباب، نتيجة لتهميش الثقافة الحقوقية في المؤسسات التعليمية والثقافية.

 من المفارقات أن ميدان الاحتفالات، الذي تجمع الشباب في مواقفه الخارجية، كان يشهد في الثمانينات والتسعينيات، مناسبات وطنية (عيد الوطني) ودينية (عيدي الفطر والأضحى)، وتشارك قبائل ظفار في الاحتفالات، والمرور تحت منصة راعي الحفل، على مدى ثلاثة أيام ( الأول للمدينة، الثاني للريف، الثالث للبادية)، يقدمون فيها أشعارا وقصائد تمدح السلطان السابق ( السلطان قابوس)، وتمجد الذات وتفاخر بها. 

بينما الشباب اليوم يطالبون بحقهم في العمل، ومكافحة الفساد، وهذه النقطة نحاول تحليلها بشكل أدقإذا سنحت الفرصة، فكيف غابت القبيلة التي كانت تُقدم الولاء والعرفان للسلطان، وحضر عنها ابنائها في حدث مختلف في تجمع شعبي وطني، للمطالبة بحقوق لكل أبناء عُمان من مسندم إلى ظفار.لماذا فشلت القبيلة في تحقيق استدامة العطاءات والهبات الحكومية لشيوخها وأفرادها، وتم الاستغناء عن عرض القبيلة المجاني، وقصائد الشعراء السخية بالمديح، أما أن حركة التاريخ، كانت أكبر من سياسة الحكومة، ونرجسية القبيلة، وتزلف الشاعر، أم أن المصالح الآنية للسلطة حيّدت الميادين وولاءات القبائل، واستعاضت عنها بالتنافس القبلي أثناء انتخابات مجلسي الشورى والبلدي.أسئلة كثيرة تدور في ذهن المرء حين يقف على تناص الوقفات الاحتجاجية التي يقودها الشباب، الذين يذوبون في مشاغل المجتمع بعد حصولهم على لقمة العيش، ويتخلون عن المطالب بالحقوق المشروعة.

  ختاما لابد من التعريج على حالات فض الاعتصام، فجر الجمعة ( ساعة 3 تقريبا)، واعتقال حوالي 30 شاب، والباقي تم البحث عنهم وحملهم في باصات إلى مركز الشرطة بطاقة، وهناك تم التحقيق معهم، وفي الساعة التاسعة صباحا، أُطلق سراحهم، باستثناء بعض الشباب، ولم يخرجوا من السجن، إلا في اليوم التالي. ولابد من ذكر اشادة الشباب وذويهم بحسن المعاملة من قبل الجهات الأمنية.  

كلمة أخيرة، إن مساءلة الباحثين عن العمل والأمل، وتراكم أعداد الخريجين من الشباب من الجنسين، أصبحت ظاهرة وليست حالة معزولة، لهذا فإن عودة الاحتجاجات قريبا، أو بعد مدة زمنية، هي مساءلة وقت لا أكثر، قد تمتد 10 سنوات كما حدث الآن ( 2011-2021) وللمفارقة فقد فض اعتصام ظفار يوم 13 مايو 2011، وعادت الاعتصامات في الشهر ذاته من الوقت الحالي. لهذا نقترح إقامة لقاءات وطنية مفتوحة بين الشباب والحكومة لمناقشة العديد من القضايا، منها ( البطالة، المشاركة في صنع القرار، تغيير مفاهيم العمل الحر، ودعم الحكومة والقطاع الخاص للشباب والعمل في القطاع الخاص،ألخ). وإيجاد مساحات من التفاهم بين الأطراف المعنية.

شاهد أيضاً

دانة الراشد

دانة الراشد | كن لطيفا

اللطف صفة يستهين بها البعض ويستخف بها الكثيرون، فلا ندرك أثرها الكبير على الأنفس إلا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *