
من حسن الحظ أن فيروس كورونا لم يكن شديدا على الأطفال من ناحية التأثير على صحتهم في حال إصابتهم، لكنه بالتأكيد قاسي في تأثيره على تفاصيل حياتهم وردة فعلهم وسلوكهم، وباعتبار فئتهم العمرية وتعقيدات أزمة صحية كالوباء، فإن الأطفال هم الأقل تحصينا واستعدادا لمواجهة العالم الخارجي بعد فترات الحظر الطويلة. ومع عودة المدارس المتوقعة في سبتمبر المقبل، نحن بحاجة لتقييم مدى الجاهزية لاستيعاب واحتضان عدد كبير من أطفال فقدوا الإحساس الفعلي لبيئة اجتماعية واسعة، كالمدرسة، فهم بحاجة للاستعداد والتجاوب مع انعكاسات الحظر وكل ما انعكس من الأزمة الوبائية على الصحة النفسية للأطفال.
لقد قامت العديد من الدول بفتح المدارس خلال الجزء الثاني من العام الماضي وبرزت خلال تجربتهم العديد من المشاكل النفسية، ولوحظ ارتفاع حاد في الانعزالية والغضب والانزعاج السريع والقلق لدى الطلبة، في حين انخفضت السمات الاجتماعية، كالعلاقات والصداقات الإيجابية والتفاعل مع الزملاء والعائلة وحتى في التفكير بالمستقبل الشخصي. هذه بعض المشاكل التي يواجهها العالم ومن المتوقع أن تبرز على البيئة التعليمية عند العودة للمدارس ما يتطلب الاستعداد لها وتهيئة الظروف المناسبة للأطفال والطلاب.
فالكويت شهدت إحدى أطول فترات الحظر، إن لم تكن الأطول على مستوى العالم، توقفت فيها العملية التعليمية لفترة، وعادت بتعليم عن بعد. لكن التحدي المقبل في سبتمر عند العودة للمدارس سيجلب معه عشرات الآلاف من الطلبة المحملين بالاضطرابات والضغوط النفسية، فمن وحي الخيال توقع أن تعود الأمور إلى طبيعتها بمجرد دخول الطلبة من بوابات المدارس، لذا يجب الاستعداد لدمج من سيواجه صعوبات في الاحتكاك الطبيعي مع البشر، ومراعاة من زاد قلقه ومخاوفه جراء فقد أحباب أو أقارب من الوباء، بل أنه من الضروري البدء في دراسة وتقييم الصحة النفسية لهؤلاء الطلبة من الآن.
لقد ظهرت العديد من الأصوات المطالبة بعودة تدريجية للتعليم في بعض المدارس، خصوصا تلك المؤسسات الجاهزة لاستقبال طلبتها التي أنجزت خطتها للعام الدراسي القادم، فخطوة من هذا النوع تأتي في صالح تفعيل قرار العودة للمدارس بشكل عام لأنها تعتبر مرحلة تجريبية لما ستشهده مدارس جميع الكويت بعد أربع أشهر من الآن، فيمكن الاستفادة من الفترة الحالية لتقوية الطلاب بالمناهج الأساسية، وكذلك هي فرصة لتقييم صحتهم النفسية وفتح العين أمام جانب يبدو أنه منسي وسيجلب نتائج كارثية إن تم إهماله تماما.
أغلب الجهود منصبة لتحصين الطلاب والمعلمين من ناحية صحية وتطبيق الاحترازات الوقائية في المدراس، لكن ما يجب على المسؤولين في التعليم والتربية استيعابه أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسمانية، خاصة في بيئة تعليمية تعتمد على سلامة العقل، فنحن بحاجة لنفوس هادية مليئة بالشغف والحياة.