
المؤسسة الحكومية؛ مرتع الرداءة البيروقراطية ومقبرة أحلام الشباب، يموت الموظف موتا بطيئا بين جدرانها، ويتوه المراجع بين دهاليزها بلا وجهة أو نتيجة.
إن كنت موظفا في المؤسسة الحكومية، فكن على استعداد لتلقي العديد من خيبات الأمل، فغيرك «سيسرق» عملك حتما، كما يسرق من المال العام بكل أريحية، أو ستركن أفكارك بعيدا في الأدراج حفاظا على «الكراسي» ومستوى الرداءة العام! بل وسيطال الأمر تقييمك السنوي، فلن تحصل على الامتياز إن كنت تشكل نوعا من التهديد في لعبة الكراسي التافهة تلك.
كم أشفق على من كان أقصى طموحه الحصول على منصب حكومي؛ كرئاسة قسم أو غيره، فالحياة أوسع بكثير من ذاك الأفق الضيق.
وبالطبع لا يمكننا أن نتناول الجهاز الحكومي دون أن نذكر تلك الضبابية المتعمدة التي تسهل للفاسد فساده، بينما يترك الموظف «الأبيض» في الظلام، فهو لا يدرك مهامه الوظيفية، وليست له دراية بكيفية عمل الدورة المستندية، فهنالك تجهيل متعمد يبدأ بالضبابية السالفة الذكر وينتهي بعدم تدريب الموظفون أو إعطائهم أي مسؤوليات تذكر، فيصبح المهندس «سكرتيرا» – مع احترامي لجميع الوظائف بالطبع – يقوم بكتابة الكتب الرسمية، أو يقوم بأعمال «إشرافية» تهمش دوره، وتُعطى صلاحيات كبرى لمكاتب وجهات خارجية، وذلك كجزء من منظومة التنفيع والضبابية المتعمدة.
وشيئا فشيئا، تتلاشى قدرات الموظف بدلا من أن تتطور مع زيادة سنوات خبرته، فينسى أغلب المهارات التي تعلمها في الجامعة أو في سنوات تدريبه الميداني، ثم تتسائل هذه المؤسسات ذاتها: لماذا الموظف الكويتي «يبصم ويمشي»؟ وتضع حلولا تعالج الأعراض السطحية وليس جذر المشكلة نفسها، كتشديد قوانين الحضور والانصراف دون النظر في جودة عمل الموظفين أو حشد قدراتهم عن طريق وضعهم في المكان الصحيح.
وللأسف، فإن تطبيق هذه القوانين مغلوط، حيث توجد العديد من الثغرات التي تمكن الموظفون ذوي «الواسطات» من البقاء في بيوتهم واستلام المعاش كاملا دون أي مجهود يذكر.
النتيجة هنا واضحة: تنفير الكفاءات من القطاع الحكومي وتهجيرها إلى القطاع الخاص، ما يؤدي إلى تقوية كفة التجار مقابل وهن المؤسسة الحكومية في معادلة مربكة تؤدي إلى مالا يحمد عقباه.
في نهاية المطاف، يبقى أملنا الوحيد في الدماء الشابة التي لم تستسلم لخيبات الأمل في المؤسسات الحكومية، فسيتقلد أولئك المجتهدون مناصبا قيادية عاجلا أم آجلا، ومن هنا نتمنى أن تأتي رياح التغيير.