
شخصيا، لم أتابع أي من المسلسلات الرمضانية منذ سنوات عدة، فهي – بوجهة نظري – اجترار للمحتوى الخاوي ذاته بمشكلاته التي نعرفها جميعا: من غياب الحبكة الدرامية والمبالغة في التمثيل -وإن تطورت طرق وأدوات التصوير، إلا أن مسلسل «سوشل نيديا» قد غير رأيي تماما وأعطاني أملا كبيرا في الجيل الصاعد من الكُتاب والمخرجين والممثلين.
فـ«سوشل نيديا» كما يخبرنا اسمه، يعكس مدى انغماسنا في منصات التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت الشهرة حاجة ملحة، وباتت لدينا حياة أخرى افتراضية زائفة تحكم حياتنا على أرض الواقع. ونرى فيه مدى استعداد البعض لعمل أي شيء من أجل الشهرة أو المال، حتى وإن تصادم ذلك مع القيم أو المعتقدات الخاصة التي أصبحت هشة ومتغيرة أمام إغراء الشهرة و«الدينار».
وفي المسلسل تذكير جميل أن أغلب ما نراه على هذه الوسائل من كمال ومثالية ما هو إلا وَهْم زائف. ومن أجمل الأفكار التي عكسها المسلسل مدى تأثير «السوشل ميديا» على الثقافة المجتمعية السائدة، فالتافهون من المشاهير تتم مقابلتهم على التلفاز والاحتفاء «بإنجازاتهم» وهو ما يحصل على أرض الواقع بكل أسف.
المسلسل من كتابة مقداد الكوت وإخراج نزار القندي وحمد النجار، وتمثيل نخبة من الفنانين الصاعدين من جيل الشباب كـ:مصطفى أشكناني ومحمد الكاظمي ويوسف بن علي ومحمد الأسدي وزينب أحمد وآخرون مبدعون، ويمكنكم مشاهدته مجانا على تطبيق القبس وكذلك على قناة القبس على اليوتيوب.
والمسلسل ممتع جميل وذو حبكة محكمة، وكوميديا عصرية حاذقة تحترم عقلية المشاهد الذي ضاق ذرعا بالتهريج والسخرية. وأعجبني كذلك أسلوب التمثيل الطبيعي دون مبالغة أو تصنّع فيجعلك تعيش اللحظة كاملة دون أي تشتيت، كما أدهشني كذلك القدرة التمثيلية العالية للعديد من الممثلين الذين ظهروا لأول مرة على الشاشة؛ من الممثلين الأطفال إلى كبار السن، وهذا يدل على أنه لاتزال هناك العديد من المواهب في الكويت التي تنتظر من يحتضنها، كما يدل على حسن انتقاء المخرجين لهذه المواهب وقيادتها بالاتجاه الاحترافي الصحيح.
يضاف إلى ذلك أن العمل أصبح أكثر ثراء بسبب العناية والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة في كل حلقة من حلقاته؛ من البوسترات في غرفة الطفلة «مها» إلى صياغة التعليقات الظاهرة على شاشات مشاهير المسلسل.
باختصار: المسلسل ممتع وعميق دون إطالة أو مماطلة، وهو ابشارة خيرب لما هو قادم وأجمل إن تم تقديم المزيد من الدعم لهذا الفريق المتميز. ونتذكر هنا عملا سابقا مشابها في جودة المحتوى وهو المسلسل التجريبي «تقدير الاحتياج» من تأليف جاسم قامس وإخراج جاسم المهنا، وتظهر فيه العديد من الوجوه الشابة التي ظهرت في «سوشل نيديا»، وللأسف، يبدو أنه لم يتم استكمال المسلسل لشح مصادر الدعم المادي.
على أية حال، يبقى إنتاج مسلسل «سوشل نيديا» كعمل كامل -على الرغم من جميع العوائق- خبرا سارا وبداية رائعة لموجة جديدة من الإعلام الكويتي بمستوى احترافي وبوجوه شابة ودماء جديدة متنوعة، نتمنى تسليط المزيد من الضوء على هذا العمل الجميل ودعم الأعمال الفنية القادمة لهذا الفريق الرائع.
بالإمكان مشاهدة حلقات المسلسل عبر الرابط التالي: