دانة الراشد | صوابية

دانة الراشد
دانة الراشد

وُلِدنا مختلفين، هذه هي سنة الحياة، فلماذا نفرض أفكارنا وأسلوب حياتنا على غيرنا قسرا؟ ولماذا نقطع العلاقات ونجهضها قبل أن تولد لمجرد تفاوت الآراء؟ نتعلم دروسا ثمينة من أولئك المختلفين عنا تماما، فلنتقبل اختلاف الآخرين، ونستمتع بأطيافهم المتنوعة، فكم ستكون الحياة مملة لو كنا جميعا بلونٍ واحد وفكر موحد، ففي التنوع نعمة خفية قد لا ندركها، فهي أوجه متباينة تجعلنا نرى الصورة بوضوح أكبر وذلك بحدود قدرتنا البشرية على الأقل. 

كم تقلقني تلك الحركة المسماة بـ«الصوابية السياسية political correctness» التي كثيرا ما تلغي الرأي الآخر لمجرد أنه لايروق لها أو لا يتماشى مع أجندتها، فتصفه بأبشع الأوصاف، كالرجعية والتخلف وتصنفه كخطاب الكراهية. لذا فإني أقول مازحة أننا قد نصل إلى مرحلة نمتلك فيها حرية التعبير في العالم العربي أكثر منها في أمريكا والعالم الغربي الذي تسود فيه تلك الصوابية! 

 فعلى سبيل المثال، انتقاد بروبجندا المثلية التي نراها في الإعلام والتساؤل عن وجود عوامل اجتماعية مساهمة في انتشار هذه الظاهرة إضافة إلى العامل البيولوجي قد يعرضك لهجوم عارم على السوشال ميديا ، ونعتك بـ«الهوموفوبيا» أو فوبيا المثلية، حتى وإن كنت تعامل الجميع باحترام ودون تمييز. كذلك الحال مع نقد الكيان الصهيوني، الذي أصبح الحديث عنه من «الكبائر» في السوشال ميديا وقد يؤدي إلى إلغاء حسابك أو تغريداتك تحت ذريعة أنها «خطاب تحريضي ومعادي للسامية»، ولا ننسى بالطبع الموجة الثالثة من النسوية الشرسة التي كثيرا ما تشيطن الرجل وتسعى لإنكار وإلغاء الفروق البيولوجية ، فتقديم أي نقد لهذه الحركة سيعرضك إلى هجوم عنيف جدا وافتراض أنك «ذكوري» غير متعاطف مع المرأة، حتى وإن كنت مناضلا أو داعما لقضاياها. 

لا يقتصر خطاب الصوابية السياسية على الهجوم على الطرف الآخر فحسب، بل قد يصل الأمر إلى «إلغاء» صاحب هذا الرأي تماما وإزالة وجوده الإلكتروني كما يحدث كثيرا على منصات التواصل الاجتماعي التي يتبع أغلها هذا التوجه، ويبدو أن الحزب الديمقراطي الأمريكي بصورته الحالية هو من «اخترع» هذا النوع الجديد من الاضطهاد  تحت ذريعة الشمولية والدفاع عن حقوق الأقليات، فأصبح أكثر تعصبا وانغلاقا على ذاته من حزب المحافظين الجمهوريين، وهنا المفارقة المضحكة! 

بتنا نلاحظ أن  فنّاني الكوميديا في العالم الغربي أصبحوا أكثر حذرا وانتقائية لمواضيعهم كي لا تتم مهاجمتهم وحجب محتواهم، فجاء المحتوى مملا بلا طعم. نتذكر هنا عظماء الكوميديا الواقفة stand up comedy مثل كريس براون وجورج كارلين اللذان ظهرا في زمن كان المجتمع فيه أقل حساسية، فرسموا البسمة على وجوه المشاهدين وأثاروا لديهم العديد من التساؤلات التي شجعت التفكير النقدي المستقل. 

على أية حال، فإننا نعيش في زمن عال القطبية في كل مكان في العالم، يحارب فيه الأخ أخاه لمجرد اتباع كل منهم أفكار وفلسفات مختلفة، ويبدو أن الاختلاف في الرأي يفسد من الود قضية في نهاية المطاف! 

شاهد أيضاً

دانة الراشد

دانة الراشد | كن لطيفا

اللطف صفة يستهين بها البعض ويستخف بها الكثيرون، فلا ندرك أثرها الكبير على الأنفس إلا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *