دانة الراشد | كن لطيفا

دانة الراشد
دانة الراشد

اللطف صفة يستهين بها البعض ويستخف بها الكثيرون، فلا ندرك أثرها الكبير على الأنفس إلا عند اختفائها وترك كل تلك الأراضي القاحلة والمتصدعة خلفها، فاللطف ماء العلاقات الإنسانية، وهو يفوق الأدب والتأدب اللذان قد يأتيان من باب المسؤولية والواجب، فنحن نتأدب حتى مع أعدائنا. لكن اللطف ينبع من مكان أكثر عمقا وليونة في القلب، فهو يأتينا من باب التعاطف مع الآخر، واستشعار ما يمر به من ظروف وأحاسيس والإحسان إليه.

وكم نحن بحاجة إلى اللطف والرحمة بمن حولنا في هذه الفترة العصيبة التي كشفتمع الأسفعن أقبح ما في النفس البشرية من جلافة ورعونة تنم عن ضعف وأنانية مفرطين، في وقت كان من الأجدر بنا أن نتكاتف في وجه المحن. 

قد يكون أولئك القساة أشد حاجة للرفق والرحمة بحالهم، فقد تحجرت قلوبهم بسبب افتقادهم لهذه القيم الراقية في حيواتهم، فإن كنت قادرا على أن ترأف حتى بأعدائك، فإنك قد وصلت إلى مرحلة متقدمة جدا من السمو الروحاني.

لا تحرم من حولك

اللطف ليس تكلفا ولا تصنعا، بل هو شجاعة محضة من قلب فُتح على مصراعيه وتواصل مع الآخر فوصل إلى قاعهوإن كان ذلك للحظات معدودة فحسب، فلا تحرم من حولك من تواصلك اللطيف، وليشمل رفقك الجميع من طفل وكبير ونبات وحيوان، سواء أكان سائق التوصيل أو عاملا منزليا أو صديقا قديما، وقل لمن لا يرغب بالتواصل معك سلاما، فمن حق أنفسنا علينا أن نحميها من الشخصيات السلبية التي لا تملك شيئا سوى بث سمومها وتلويث حياة الآخرين.

كن أنت المثال النادر في الرفق والتعاطف مع الآخر في مجتمع طغى فيه التكبر والأنانية، وتبلدت المشاعر، فلعلهم يستيقظون من سكراتهم عند رؤية إحسانك للآخرينلاسيما مع أولئك الأقل حظا.

إن التغاضي عن هفوات الآخرين فن ورشاقة، فهو يحفظ ماء وجههم وهم سيراجعون أنفسهم لامحالة، وهو يزيد من قيمتك في حياتهم فيخلق علاقات متينة.

ولربما كان من الأصعب مسامحة الذات عن هفواتها وما قد يبدر منها من كلام جارح في لحظة انفعال، لذا فوجب التأني قدر المستطاع قبل الوقوع في الخطأ ومسامحة الذات بعد مراجعتها.

تذكروا أن الرحمة هي الزاد الذي أحالنا من أطفال لاحول لنا ولا قوة إلى كبار ناضجين أسوياء، فما هي المعجزات التي يمكن أن تصنعها الرحمة بمن حولنا؟ 

ما أعظم الرفق! فهو الوقود الذي تنمو به جمع أشكال الحياة. جربها! 

كن أكثر لطفا مع من حولك وقدّر مشاعرهم وسترى تحولهم المدهش أمام عينيك.

شاهد أيضاً

مسعود أحمد بيت سعيد - كاتب من سلطنة عمان

مسعود أحمد بيت سعيد | الوحدة العربية وضرورتها

في سنة 1958 قامت الوحدة  بين مصر وسوريا «الجمهورية العربية المتحدة» التي استمرت إلى سنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *