
عزيزي وزير التربية المحترم،،
أكتب رسالتي اليوم، بعد أن حاولت على مدار السنوات الفائتة أن أقابل وزير تربية، وكل الأبواب مغلقة بحجة الاجتماعات داخل الوزارة أو خارج الوزارة.
أكتب، ولا أعلم إن كانت ستصل أو إن كنت ستقرأ، لكن يكفيني أن أخرج مكنونات صدري، والتي ضاقت بي دهراً، وحملتني ضغطاً هائلاً بالإضافة للعديد من الأمراض التي اكتسبتها من سلك التدريس، والتربية والتعليم.
عزيزي الوزير، لقد تخرجت من الجامعة بتقدير مرتفع، صرت معلمة روضة، وبحس مهني مرتفع، كنت أحمل الأمانة بشرف، أصونها وأرعاها، كما كنت صاحبة رسالة، أترك بصمة إيجابية في كل طفل، في كل معلمة، في كل مشرفة، في كل إدارة، وفي كل روضة، حتى كسبت صيتاً مشرفاً بين زميلاتي في المهنة، وتبوأت مقعداً عالياً، لكن للأسف، بقيت كما أنا معلمة، بلا حوافز ولا تقدير مادي أو حتى معنوي. لم أحزن، بل كنت مستمتعة بمهنتي، بمكانتي، وبحب أطفالي التلاميذ، وأسعى جاهدة لتطوير نفسي، ذاتياً أو بالانتساب للمعاهد والأكاديميات، وأخذ الدورات واكتساب المعارف والمعلومات.
كنت أقدم ملاحظاتي، أفكاري، اقتراحاتي، وكل ما من شأنه تطوير العملية التربوية، لتأخذ المشرفة الأوراق وتنسبها لنفسها، وتأخذ المديرة الأفكار وتنسبها لنفسها، وصولاً للتوجيه، وتتلاشى الأفكار والمقترحات كما الأحلام.
صبرت على ذلك ولم أتكلم، واستمريت بتقديم أفضل ما عندي لفصلي، وللمعلمات الراغبات باكتساب المعارف تلك، حتى خرّجت أكثر من عشرة أجيال من الطلبة، ما زالوا أغلبهم متواصلين معي، ويبشروني بإنجازاتهم بالحياة من بعدي. كنت أول معلمة تدخل إلى الروضة تحمل بيدها حقيبة (لابتوب)، حتى صار أولياء الأمور يطلبون وضع أبنائهم بصف المعلمة (أم لابتوب)، فلم يكن (لابتوبا) للزينة أو التفاخر، بل كان يحمل أجمل الأفكار، وأكثرها إبداعاً لإيصال المعلومات للطفل.
عزيزي الوزير، لا أعلم إن كنت تعلم ما يحصل أسفل مكتبك، أم تكتفي بما تسمع وتقرأ، وإن كنت تعلم، أتمنى أن أجد إجابات.
لماذا أخبار الوزارة كلها منشورة على الملأ؟ لا توجد خصوصية كما الوزارات الأخرى! لا يوجد تواصل فعال بين الإدارات والمدارس والأقسام التعليمية، حتى لا نضطر أن نعرف الأخبار من الجرائد والمواقع الإلكترونية، ولا توجد مصداقية عند بعض (النساء)، ليضطروا بأن يلفقوا مهام ترهق كاهل المعلمة، ونضطر إلى مواجهتهن بقرارات الوزارة ليراجعن قراراتهن!
لماذا صرفت مبالغ طائلة على الدورات التي أخذتها على نفقتي الخاصة، لأكون علما، وأقدم ما يساعد بلدي وينهض بالمستوى التعليمي، مثلي مثل الكثير، وبالأخير يتم الأخذ بفكر متأخر جدا عن العصر الحالي، ولا أستطيع حتى أن أبدي رأي أو أقدم مشورة؟!
لماذا أسعى لنيل شهادة عليا، من أجل الكثير من المزايا، أولها تطوير عقلي والذي يعود بالنفع على وظيفتي؟ لتنال البعثة (هاربة) من الضغط الوظيفي تملك (واسطة)، أو أخرى تملك (الأقدمية) لتنال الشهادة وتتقاعد بعدها، ولم تستفد منها الوزارة، بل صارت تقدم خدماتها لجهات أخرى، وخسرت فرصة البعثة!
لماذا تطالب الوزارة بدورات في الحاسوب، وأميات الحاسوب يملئون المدارس والرياض والإدارات؟
ولماذا طالبت الوزارة بتقديم حصص افتراضية، والكثير من المعلمات ما زالوا بعصر الوسيلة الورقية والبطاقات الممغنطة؟!
لماذا تطالب بالتجديد والتطوير، وكل قرار ينم عن تأخير وتراجع بالفكر والتفكير؟
لماذا ندرس ما يقارب خمسة سنوات مواد منوعة في الجامعة، حتى نلم بكل احتياجات الطالب، وحين نرغب بتلبية احتياجاته، نحد بقرارات الإشراف، والتوجيه، والمنطقة التعليمية، والوزارة؟! وكأن كل منطقة تعليمية هي وزارة بحد ذاتها!!
لماذا يجب عليّ أن أواجه بكل سنة مريضة نفسية، تعاني من عقد (المنصب) و (الكرسي) و (الضغط النفسي والاجتماعي) لتمارس علينا (الإرهاب الفكري) و (التطرف التعليمي)، ناسية أو متناسية أنها كانت معلمة في يوم من الأيام، ولا تفكر إلا بأخذ الكرسي والانتقام لنفسها، بإعادة تكرار وممارسة نفس الضغوطات التي كانت تمارس عليها حين كانت معلمة؟!!
عزيزي الوزير..
منذ أن تعينت بعام 2008 وإلى اليوم نفس الشكاوى والتذمر تتردد من حولي: (كثرة الاستقالات، الطبيات، المجالس الطبية، الغيابات، وحتى المجالس الرياضية.. الخ)، والأسباب غالباً هي: (المعلمة تصرف من راتبها، ولا تتساوى بالتقدير المعلمة التي تصرف مع التي ترفض أن تصرف)، (المعلمة تعمل 24/7، تجهز حلقاتها الثلاثة – على أقل تقدير–، وأنشطتها اللاصفية، وتنوع بالأنشطة بين مجسمات ووسائل ومسابقات وأشياء حية وتجارب علمية وتستخدم الحاسوب والداتا شو، وحسب النشاط اللاصفي توفر مستلزماته، إن كان مطبخ توفر الأدوات كلها، وإن كان مرسم توفر الأدوات كلها، وإن كان نشاط إبداعي توفر مستلزماته الإبداعية– إلا ما ندر من الرياض التي وفرت تلك المستلزمات)، (المعلمة تقدم نشاط صباحي لمدة أسبوعين أو ثلاث كل فصل، وعليها تجهيز المسرح بالديكورات المناسبة لكل نشاط)، (المعلمة أم، اخصائية اجتماعية، اخصائية نفسية، عاملة نظافة، أمينة مكتبة، مدربة بدنية، معلمة رسم، مشرفة تغذية، مهرج، فنانة، ممثلة، راقصة، مغنية، مدربة مهارات حياة، حاضنة، مرشدة تربوية، مرشدة نفسية، مرشدة حياتية، محفظة، مبدعة، متجددة، متنوعة …………. الخ) وكل ذلك كانت المعلمة تعمل باستمتاع.
وفي يوم التخرج، تغمرنا الدموع ونحن نودع أطفالنا، ونشعر بالفراغ بعدهم، والصف يصبح خاليا من حسهم ووجودهم.
عزيزي وزير التربية،، الحل بسيط جدا.. (استماع، وتحرك) استمع لهم، وأشعرهم بأنك قربهم، سهلها عليهم، وستسهل العملية على بقية المراحل، نحن أساس المراحل كلها، نحن أساس المهارات كلها.
الطفل إن لم يخربش بالروضة ولم يلعب بالرمل والماء والصلصال، فلن يستطيع إمساك القلم بالمرحلة الابتدائية.
إن لم يكوّن الصداقات في مرحلة الروضة، فلن يستطيع أن يكون اجتماعي في بقية المراحل.
إن لم يستمع لقصص المعلمة، ودروسها التي لن يتذكر منها الكثير، فلن يستطيع استيعاب الدروس في المرحلة الابتدائية، ولن يتقبل الحروف والكلمات، والأرقام والأشكال الهندسية لأنها غريبة عليه وعلى مسمعه.
إن لم يتجرأ ويقف على المسرح ليؤدي دورا تمثيليا في الروضة، فلن يستطيع أن يسأل سؤالا في الابتدائي، أو يقدم عرضا في المتوسط، أو يناقش في الثانوي.
إن لم يرقص – وهو ما يعاب دائماً على الروضة– لن يستطيع أن يلتزم بأي روتين في حياته، لن يستطيع أن يلعب رياضة، لن يتجرأ لفعل أي شيء.
كلمة أخيرة
لقد صنت الأمانة، لكن في الوقت الذي بدأت مديرتي تفضل المعلمة التي جهزت لها حفلا، والمشرفة تفضل صديقتها المعلمة، والمديرة المساعدة تسمح لصديقتها بالتأخير والاستئذان والراحة وتصمم الجدول بما يتناسب مع مزاجها وأهوائها، والتقييم بناء على النفاق والصرف لا على المجهود مع الأطفال، وكل جديد محارب، وكل فكرة إن لم تبرز اسم الإدارة لا فائدة منها، وكل جهد إضافي أقدمه للأطفال برغبة مني أواجه بالصدود، بحجة التوجيه، وعدم كسر كلمة التوجيه….. رحلت عن التربية بأمانة أكبر.
لم أتوقف عن التطور والتطوير، رغم ابتعادي لازلت أطور نفسي بآخر المعارف، وأفضل التقنيات، وأجود الأساليب في التعامل مع الطفل، كما أني قريبا سأنال درجة الدكتوراه في فلسفة تربية الموهوبين، وهو تخصص نادر في الكويت، لا يقدم بالجامعات أو المعاهد هنا، ولا يوجد عدد كاف من المتخصصين بهذا المجال في الوزارة لتستعين بهم في تصميم المناهج والأنشطة للطلبة الموهوبين.
وإن عدت يوماً إلى التربية، أرجو أن يتم تقدير شهادتي التي أخذتها بعرق جبيني، وجهدي واجتهادي، وتيسير رب العالمين لي، لا أن يتم تعييني موظفة عادية في الوزارة، مهمتها لا تتجاوز مهمة السكرتارية، وهذا ما حصل وما زال يحصل لكل معلمة خرجت وترغب بالعودة، ولا تملك واسطة قوية.
ملاحظة: أنا فخورة كوني معلمة تحمل رسالة، وإن ضغطت عليها الوزارة لترحّلها.
