
الراحة تتلخص في بضع كلمات «اعتزل ما يؤذيك».. ابتعد عن كل من يسبب لك الإحباط والضيق والتوتر، أترك الماضي خلفك، وتطلع نحو مستقبل يحمل كل جميل، ولا تكن شخصا سلبيا يحطم كل الفرص ويضيع وقته بالتفكير والشكوى، فتوقف عن القلق بشأن أمور تافهة تُمرض روحك وتقلل من عمرك، وتخلص من كل مَن يحاول أن يقف في طريق نجاحك، وحاول ألا تعطي الصعوبات أكبر من حجمها حتى تتمكن من التغلب عليها، وأصمت طويلا، واحزن قليلا، واضحك كثيرا، واصبر صبرا جـميلا.
***
لا تختار شيئا أنت غير مقتنع به، ولا تمشي في طريق أنت مجبر عليه، ولا تُضع وقتك في شيء لا تستمتع به، فأنت لست مسيرا، أنت إنسان مخير، لم يُعطك الله الحرية لتتبع الآخرين، فجميل أن تكون عبقري بأفكار نابغة، فالتكرار بالأفعال وتشابهها أمر متعب لك.
***
قال الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: «اعتزل ما يؤذيك، وعليك بالخليل الصالح، وقلما تجده، وشاور في أمرك الذين يخافون الله عز وجل»، وكأنه كان يقولها لمجتمعنا اليوم، فما أحوجنا لهذه النصيحة الآن.
الفاروق قال: «اعتزل» ولم يقل «تحمل»، لأن استمرارك وبقاءك مع شخص يتسبب بـأذى لك ليس له إلا معنى واحد فقط: أنك شخص تقلل من قيمة نفسك.
نحن لم نأت على هذه الدنيا من أجل أن نجامل ونضغط على أنفسنا من أجل أي شخص.
***
إياك أن تؤذي نفسك بالصبر على علاقات كثيرة الشد، كثيرة الاستفزاز، كثيرة الوجع، مليئة بسوء الظن، وتعيش كل عمرك تلهث للتبرير وإثبات حسن الظن، فالعلاقات لم تخلق إلا من أجل أن نسعد بعضنا، فمن يؤذيك ابتعد عنه، البيئة التي تزعجك وتخنقك غيرها.
***
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفاً
فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا
فَفي الناسِ أَبدالٌ وَفي التَركِ راحَةٌ
وَفي القَلبِ صَبرٌ لِلحَبيبِ وَلَو جَفا
فَما كُلُّ مَن تَهواهُ يَهواكَ قَلبُهُ
وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ قَد صَفا
إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً
فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا
***
في بعض الأحيان نحتاج أن نترفع ونتجاهل، نتحمل جرحا عميقا، لأن بعض الأمور بكل بساطة لا تستمر دون تضحيات، هناك المهم في حياتنا وهناك الأهم، أنت من تحدد ذلك، ولن يفهم قراراتك سواك، ولا أحد يفهم أو يعرف الظروف التي تمر بها ومررت بها.
سيتهمونك بالسذاجة أو الأنانية، وكل ما عليك هو «التطنيش»، لأن وقتنا ثمين جدا لكي نضيعه في التبرير والتفسير.
هناك من يضع لك ألف عذر وعذر، ويحاول أن يفهمك حتى دون أن تتكلم، وهناك من يصمم على إظهارك بصورة سيئة وتلفيق الأكاذيب عليك، حتى لو فندت وفسرت وشرحت.
***
قال سبحانه وتعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
فاعتزل ما يؤذيك حتى لو كنت تعتقد أن هذا القرار فيه خسارة لك،، فقد تكون أنت الرابح الأكبر في النهاية وتقطف ثمار النصر.
اعتزل ما يؤذيك حتى لا يأتي يوم وتندم فيه وتتحسر على حياتك وما فاتك، فالقليل من العزلة الإيجابية حياة وتجديد وطاقة، فالعزلة الجزئية تكون أحيانا أرضا خصبة لتحفيز التحول الذاتي الإيجابي، وتنمي القدرة على الاعتماد على النفس وعدم الانصياع لأحد.
***
لا تتأثر بالأشخاص «المؤذين» من حولك مهما بلغت قوتهم أو مدى حضورهم في تفاصيل يومك، بل حصّن نفسك واشغلها بالتفكير الإيجابي، وتأكد بأنك أنت من تقرر ما ترغب في الشعور به، وهذا يعني أن لا أحد قادر على التأثير عليك في حال لم ترغب في أن يكون له هذا التأثير.
عزيزي القارئ تمعن جيداً في حياتك وفي علاقاتك وإن كانت نسبة تعاستك في تلك العلاقة تغلب نسبة سعادتك، اعتزلها على الفور دون تفكير أو تردد، وابتعد بعيدا ولا تلتفت وراءك.