
الحمد لله، والشكر لله الذي وهب كل مخلوق خاصية معينة، أو موهبة تميزه عن غيره، ليستثمرها في حياته ويستفيد منها.
وهناك الكثير من الناس يفتقرون إلى أبسط تلك الخواص أو المواهب، وهي: التواصل والاتصال، رغم أنهم قد يتمتعون بالمؤهلات العلمية والثقافية والخبرة اللازمة، إلا أنهم فاقدون لهذه الجزئية الهامة.. فالتواصل من المواصفات المهمة جدا لأي شخص لتحقيق النجاح على جميع المستويات، وأهمها: الشخصية والاجتماعية والمهنية. ومن أهم أنواع التواصل هو صلة الرحم كمفهوم أساسي نص عليه الدين الإسلامي، والمقصود عدم القطيعة بين الأقارب، والحث على زيارتهم. ويُعرف بعض الفقهاء الصلة: بالوصل، وهو ضد القطع، ويكون الوصل بالمعاملة نحو السلام، وطلاقة الوجه، والبشاشة، والزيارة، وبالمال، ونحوها.
ومن وجهة نظري الشخصية، فإن تطبيق التواصل والاتصال الفعال من أهم مبادئ النجاح وخلق علاقات متميزة ونافعة ودون مقابل، إذ أن هذه العادة الحميدة لها مفعول السحر على الجميع بتقريب القلوب قبل الأبدان، وعليه اختر مفرداتك كما تختار أطيب الثمار؛ فالكلام إما بلسم جراح أو كيّة نار.
وللأسف، كثير من الناس لا يدركون أهمية التواصل مع أنه بسيط ولا يكلف شيئا، والاستمرار على هذه العادة الحسنة سيجني الإنسان ثمارها على المستوى القريب، فهناك علاقة قوية ومباشرة لنجاح الإنسان وتكوين شخصيته المتميزة وكسب الاحترام والتقدير في المجتمع، وهذا بالطبع يحتاج وقتا ليس بالقليل، حيث أن هذه الصفات تعتبر ممارسات يومية ومن الالتزامات الأدبية، إضافة إلى الأسلوب المميز في التعامل، فعندما تكون راقيا محترما في معاملتك، يرتفع قدرك ومكانتك لدى الآخرين، لأن كل شخص سيسعد ويحرص على التواصل والحديث معك، فأسلوبك يعكس شخصيتك وتربيتك، والعفو والصفح عن الناس وخصوصا الأقارب عند الزلل هو الأسلوب الأمثل لنجاح علاقاتك الاجتماعية.
ولعل من جميل ما راقني، قصة أصحاب الكهف بما تحمله من تقديس لمعاني الصحبة والوفاء؛ فقد جاء ذكرهم مقرونا بذكر كلبهم الذي كان في صحبتهم، وكما وصفهم الله وصف كلبهم، وكما شملهم بكرامته شمل كلبهم، وكلما ذُكِر الخلاف في عددهم أضاف إليهم كلبهم.
إن للصحبة قداسة لا يدركها إلا الأوفياء، وللكلاب وفاء يُعجِز بعض البشر.. ومع الأسف الكلاب أخذت الوفاء من البشر وبعض البشر أخذ من الكلاب نجاستها وعفنها.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أحْقِدْ عَلَى أحَدٍ
أرحتُ نفسي من همَّ العداواتِ
إنِّي أُحَيي عَدُوِّي عنْدَ رُؤْيَتِهِ
لأدفعَ الشَّرَّ عني بالتحياتِ
وأُظْهِرُ الْبِشرَ لِلإِنْسَانِ أُبْغِضهُ
كما إنْ قدْ حَشى قَلْبي مَحَبَّاتِ
النَّاسُ داءٌ وَدَواءُ النَّاسِ قُرْبُهُمُ
وفي اعتزالهمُ قطعُ المودَّاتِ
جعلنا الله من العافين عن الناس ورزقنا عفو ورحمة رب الناس وجنبنا الزلل في القول والعمل.