
إن علاقتنا مع الناس تستمر وتدوم بالصفح والتغاضي، وتزداد انسجاما بالتراضي، لكنها تمرض بالتفتيش، وتموت وتنتهي بالتحقيق، وبالضحكة نتجاوز النكد، وبالصبر نتجاوز الألم، وبالصمت نتجاوز التفاهة، وبالكلمة الحسنة نتجاوز البغضاء، تفوّق بما شئت لكن لا تتعالى على أحد، وأكتب بما شئت لكن لا تثير وتغضب أحد، واستنكر كما شئت لكن لا تطعن وتنتقص من أحد، فروعة الإنسان ليست بما يملك من مال ومكانة أو منصب مؤقت يحصل عليه، بل بما يملك من اللين والرفق في الكلام وحسن الخلق، ودعا كذلك سيدنا محمد صل الله عليه وسلم إلى عفة اللسان وطيب الكلام حين قال: (الكلمة الطيبة صدقة).
لا تعود نفسك على الترقب، ولا تنتظر أحدا، ولا تجعل أحدا ينتظرك، ولا تربط بهجة يومك بأحد، ولا ترفع سقف توقعاتك بأحد مهما كانت قوة علاقتك به ومهما بدأ لك خياليا لأن الإحباط ينبثق من هنا، كن حرا من إعطاء الوعود وكن رئيس مزاجك ولا تدع أحدا ينتزع منك حبك وشغفك لشيء، فاذهب متى تشاء حيث تشاء، وافعل ما تحب وقت ما تحب، ورافق من تهوى حتى لو كان كوب قهوة أو كتاب، واستمتع بكل لحظة من عمرك، ولا تستسلم للحزن، بل اتخذ من الحزن مدرج طيران للإقلاع والهبوط وليس مكانا دائما للإقامة، وحين يسألونك عن صراع النفس الحقيقي أخبرهم أن أصدق صراع هو قدرتك على أن تبقي هذا القلب خال من الشوائب صالحا للحياة الآدمية بعد كل هذه المفاجآت من الكبوات والهزائم وكأنك مازلت في الصفحة الأولى من كتاب رحلة العمر، هو صراعك مع قلبك لكي يبقى نابضا رغم كل تلك الحروب.
من الأسباب الرئيسية للبهجة والسرور أن يكون لدينا عينا ترى الأفضل، وقلبا يغفر الأسوأ، وعقلا يفكر بالأنسب، وروحا يملؤها التفاؤل، فكثير منا يتضايق ويغضب لمجرد أنه لم يوفق في عمل معين أو مهمة تخصه ضاربا بالصبر والثقة بالنفس وتكرار المحاولة عرض الحائط، فيحكى أن ملكا كان يحكم دولة واسعة، فأراد يوما القيام برحلة برية طويلة، وخلال عودته، وجد أن أقدامه قد تورمت بسبب المشي في الطرق الوعرة، فأصدر مرسوما يقضي بتغطية كل شوارع مدينته بالجلد، ولكن أحد مستشاريه أشار عليه برأي أفضل وأوفر ألا وهو عمل قطعة جلد صغيرة فقط تحت قدمي الملك، فكانت هذه بداية نعل الأحذية، والعبرة هنا إذا أردت أن تعيش مسرورا مبتهجا لا تحاول تغيير كل الناس والعالم من حولك، بل أعمل على التغيير في نفسك أولا، ومن ثم فكر وحاول تغيير العالم بأسره.
حاول تحقيق التوازن الصحيح مع إحساس قوي بالثقة بالنفس دون غطرسة الأنانية، والصبر والحلم عند الغضب، والصمت حين تواجهنا المصائب، والتفكير في الأشياء قبل اتخاذ القرار، ولنبتسم للحياة حتى نعيشها بأمن وسلام، فأكثر الأيام التي نضيعها من أعمارنا هي تلك التي نعبس فيها ولا نبتسم، فمن لديه أهداف واضحة يحقق الكثير وفي وقت أقصر من الذي ليس لديه أي هدف ينشده، فليس مهما مدى السرعة في التقدم ما دمنا لا نتوقف، فقد يكون على سبيل المثال عندما نبحث عن إبرة في كومة من القش تظل المهمة صعبة، ولكن عندما نقوم بحرق القش ستبقى الإبرة واضحة أمام أعيننا، فلنفكر قليلا وستختلف مفاهيمنا ونصحح مسارنا، حيث يمكن للإنسان أن يغير حياته إذا استطاع تغيير اتجاهات عقله وتفكيره، ولتثق بقدراتك فالطير على الشجرة لا يخاف أن ينكسر عنه الغصن لأنه لا يثق بالغصن أساسا، وإنما يثق بأجنحته، واقتبس من العقبات فإنها تزيد من المهارات، وإذا لم تستطع أن تفعل أشياء عظيمة، افعل أشياء صغيرة بطرق متقنة عظيمة.