
توجد في الحياة من البديهيات والمسلمات التي لا تحتاج إلى برهان ولا مجال فيها للانحراف أو التغيير أو المناقشة، كالحياة والموت، فعاشر من تعاشر فإنك مفارقه لا محالة، وعاشر من تعاشر فلن يراك إلا بالصورة التي شكّلها لك في مخيلته، فإن كان في نظرك خبيث فسيكون خبيثا رغم ما يفعل من إحسان، وإن كان في نظرك مستفزا فكل ما يفعل هو قصد لاستفزازك رغم طهارة تصرفه، حتى إكتراثه بك قد يتحول إلى تلصّص على أفعالك والتدخل بشؤون حياتك، وإن كنت تبغضه، فلا توهم نفسك بين ما تريد أنت أن تراه وتصدقه وبين ما يفعله هو بنية صادقة.
لا تنس أهم قاعدة بنيت عليها جميع العلاقات البشرية في الحياة: الاحترام، وهو أحد القيم الحميدة التي يتميز بها الإنسان، إن فقدت لا يصبح لأية علاقة قيمة وأساس ووجود، فاستمرار العلاقات مبني على حسن الظن والتوقير والتقدير، فإن أخطأ أحد في حقك يوما فلتلتمس له سبعين عذرا، فإن لم تجد فلعل له عذرا لا تعرفه، فالتماس العذر ديدننا.
كلمات جميلة أنشدها أحد الأدباء:
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا * إن بر عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من أرضاك ظاهره * وقد أجلك من يعصيك مستترا
لقد نضجنا وكبرنا وكبر معنا كل شيء، وأضعنا بعض الطرق، ورحل عنا بعض الأصحاب، وتلاشت بعض أحلامنا، فكل إنسان منا يحمل بداخله الكثير والكثير، وكل شخص لديه ظروفه الخاصة التي لا يستطيع البوح والخوض بها، حتى إن غاب عنك ليس بالمعنى أنه لا يريدك بحياته، ربما مازال يذكرك في يومه ويجدك بين كلماته، وقد لا تمثل لأحدهم سوى عابر سبيل ثقيل الظل، فليس كل من أمنته وقربته وأكرمته وأحببته سيعاملك بذات القدر والشعور، لا حكم أو سيطرة على القلوب فهي تنبض لمن تشاء كيفما تشاء، فقط اترك بتفكيرك السليم أثرا طيبا لترتاح نفسك، وكن مرنا عفويا.
لا شيء يشدني ويأسرني سوى الإخلاص والمخلصين، الوفاء والأوفياء، النقاء والأنقياء، والصداقة والأصدقاء الصدوقين، مثل صديق يتمتم بـاسمي عند صلاته داعيا لي دون علمي، مثل صديق يدخلني في يومه يتذكرني رغم انشغاله وازدحام يومه برسالة أو اتصال أو لقاء، مثل صديق ألتقي به بعد غياب طويل بمكان عام يرحب بي ويمسك بيدي يطمئن عن حالي ويأخذ أخباري والابتسامة لا تفارقه من الفرح، مثل صديق يدافع عني بشراسة ولا يسمح بذكر اسمي بمجلس بأي سوء عند غيابي، مثل صديق قديم منذ أيام الطفولة ومرحلتي رياض الأطفال والابتدائية يبحث ويسأل عني، وعندما وصل تجاذبنا أطراف الحديث طويلا عن طفولتنا وذكرياتنا ولحظات مرحنا وشقاوتنا، لم تغب الضحكة عنا، غادرته وأنا أشعر بأني ممتلئ بالحنين للماضي والذكريات البريئة الجميلة، وعدت بروح طفل!