
هناك من البشر كقمم الجبال الشامخة تضربهم الصواعق من كل جانب وصوب، ولكنهم صناديد لا يتزحزحون، أولئك الذين يصغون ويسمعون هموم وشكوى الناس ولم يجدوا من ينصت لهم أو حتى يسمعهم، أولئك الذين يواسون الأشخاص بكلام يتمنون لو كانوا يسمعونه، المتزعزعون المنهزمون من الداخل، الثابتون المتماسكون أمام الناس (لن ينساكم الله).
وكونوا أقوياء، وعلى يقين بأن الحياة متغيرة بذاتها ولا تستقر على حال، فاليوم حزن وغدا فرح اليوم سعادة وغدا تعاسة هي تشبه النهر متجدد بذاته ولا تستطيع لمس نفس الماء مرتين، تشبه الرواية صفحاتها متجدده فصفحة تجد بها مرح والصفحة التي تليها ترح، والأيام كلها بمشيئة الله لذلك لا تقلق، فلا يوجد نَعِيم دائم في الدنيا ولا غم باقٍ بها، هيكلها فواصل لمراحل حياتية جديدة ابتسم لأجملها وتجاهل أبشعها.
نحن بشر، وأحيانا تمر علينا أوقات نشعر فيها أنها النهاية، ثم نكتشف أنها هي البداية، وهناك أبواب نشعر بعدم وجود شيء خلفها، ثم نكتشف أنها المدخل الرئيس والحقيقي لكل شيء نريده ونتمناه.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
عندما يغلق الله من دونك بابا تطلبه، فلا تجزع ولا تعترض، فربما الخيرة في غلقه، لكن ثق تماما أن هناك بابا آخر سيفتح لك ينسيك همّ الأول، وقتها ستدرك معنى قوله تعالى: ﴿يدبّر الأمر﴾.
يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ مُنْفَرِجٌ * أَبْشِرْ بخيرٍ فإنَّ الفارجَ اللهُ
اليأسُ يَقْطَعُ أحيانًا بصاحِبِهِ * لا تَيْأسَنَّ فإنَّ الكافيَ اللهُ
اللهُ يُحْدِثُ بعدَ العُسرِ مَيْسَرَةً * لا تَجْزَعَنَّ فإنَّ القاسمَ اللهُ
إذا بُلِيتَ فثقْ بالله، وارْضَ بهِ * إنَّ الذي يَكْشِفُ البَلْوَى هو اللهُ
لذلك اجعل حياتك مليئة بالتفاؤل، وحاول أن تتناسى ألمك مهما بلغت شدته، واعلم أن المستحيل هو ما لم يكتبه الله لك، وليس ما عجزت أنت عن القيام به أو تحقيقه، ولا تحزن على شيء فقدته، فربما لو ملكته لكان الحزن أكبر، ولو كانت الدنيا سهلة ميسرة لما كان الصبر أحد أبواب الجنة.
عندما يحين الوقت لا يأخذ الإنسان معه إلا المعروف الجميل من قول وفعل، لا تحزن من طارقة فقد تكون طائلة، ولا تحزن من عسر فقد يكون يسر، ولا تشتك من الأيام فليس لها بديل، ولا تبك على الدنيا ما دام آخرها الرحيل، ولا تتردد في الرجوع إلى الله حتى وإن كثرت ذنوبك، فالذي سترك وأنت تحت سقف المعصية، لن يخذلك وأنت تحت جناح التوبة ملتجئ به.