
إن مفعول الكلمة التي تخرج من أفواهنا أو تخطها أقلامنا تجد لها طرق عدة لا نعلمها، ربما تحق حقا أو تدعم باطلا.. تبدأ صراعا أو تفشي سلاما، ويمكنها أن تحيي قلبا مواتا إن كانت طيبة، فتستقر في الفؤاد لتصلب أركانه وتخمد اضطرابه، فيثمر بالخير والحب والعطاء، أو تصيبه في مقتل إن كانت دنيئة، فتكون كرصاصات تخرق القلب وتقتلعه من جذوره؛ لتجعله كالورقة في مهب الريح تصرفه كيفما تشاء له من قرار وتلصقه بالأرض.
الكلمة مجهود وعمل عظيم، والفطن فقط من دقق في كلماته وعواقبها قبل خروجها، والإفصاح عنها، إن كانت ستأتي بخير بادر بها، وإلا فليصمت صونا للقلوب والنفوس من هدمها.
وقيل قل جميلا، أو تجمل بالسكوت.
أثر الكلمة في حياة الناس عظيم جدا، ربما لا يدركه بعضنا، لكنه موجود بالفعل، ويصنع في الأشخاص العديد من التغييرات المدهشة تماما، سواء كانت هذه التغيرات إيجابية أو سلبية، وعلى الرغم من ذلك فالبعض يجهل أثر الكلمة في النفوس، ولا يعرف كيف يمكنها أن تغير من حياة الناس، ويرى أن الكلام سيظل كلاما مهما حدث، على الرغم من أن الكلمة تؤثر في حياة الناس بكل جوانب الحياة، فالكلمة مفتاح للبهجة والسعادة والأمل والتفاؤل والطاقة الإيجابية لمن أدرك قيمتها وتنبأ لأثرها وأجاد استخدامها وعرف معناها ووقعها على أذن السامعين.
وأيضا تغير طريقة الكلام قد تجعل الشخص الذي أمامك يقبل الكلام، رغم أنك إذا قلت له نفس المعنى بطريقة أخرى فسوف يرفض كلامك، والجميع يعرف قصة الحاكم الذي رأى في منامه أن جميع أسنانه تقع فأتى بمفسر الأحلام الأول فقال له: أن جميع أهلك سوف يموتون أمامك، فأمر بسجنه وقتله. وأتى بمفسر آخر فقال له: افرح يا مولاي ستكون أطول أهلك عمرا،، فكافئ الثاني، بالرغم من أن الكلام هو نفسه، فمعنى أنه أطول أهله عمرا أن جميع أهله سوف يموتون أمامه، ولكن الكلمة قد تقلب الموازين.
فالكلمة إذا قيلت بطريقة صحيحة قد يجعل من متلقيها يغير كل مفاهيمه، ويغير كل ما يؤمن به، وتستطيع أن تحول شخص فاشل ليس له قيمة في المجتمع إلى ناجح ببضعة كلمات شرط أن يصدق هذا الشخص أنه يستطيع، وتستطيع أيضا أن تحول شخص ناجح إلى فاشل عندما تردد مراراً وتكراراً على مسامعه «لن تستطيع» وسوف يصدق ذلك.
كان سقراط يجلس بين تلاميذه، وكانوا يتبادلون الكلام فيما بينهم، أخذا وردا على سقراط وهو يصحح ويقيم ويعلم، لكن في حين هذه الدائرة التي يتعالى منها الكلام كأنه رحى حرب وتتطاير الأفكار بين الأستاذ والتلاميذ، جاء أحدهم وهو يتبختر في مشيه، يزهو بنفسه، وسيما بشكله، فنظر إليه سقراط مطولا، ثم قال جملته الشهيرة: «تكلم حتى أراك»، فالكلمة ليست مجرد مجموعة حروف نكون منها جملا نقرأها أو نسمعها، بل إنها أعظم من ذلك، فهي تبث مشاعر وصورا في العقل، إن للكلمة معنى ندركه ونستوعبه، ومسؤولية نحاسب عليها، وأثر نتركه، فالإنسان كلمة، فإما يترك أثرا طيبا أو سيئا، وعندما يتحدث الإنسان يظهر ما بداخل شخصيته وتفكيره وانتمائه وأخلاقه، فالكلمة هي مرآة صاحبها، ومدى قوته وتعريف بشخصيته.
فالكلمة الجارحة أثرها أبلغ وأكبر من الأذى البين؛ لأن الكلمة قد يدوم أثرها بالسنين، قال تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)، فقد اختص الله تعالى الكلمات الطيبة للنفوس الطيبة، فكل ما هو طيب لا يخرج منه إلا ما هو طيب وجميل، والكلمات الخبيثة للنفوس الخبيثة.
فمتى تكلمت حاول السير على خطى النبي صلوات ربي عليه، فقد كان طويل الصمت لا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وكن صاحب كلمة طيبة بأثر طيب تنل بها محبة الله وتكن على نهج نبيه المصطفى صل الله عليه وسلم، وسوف ينجذب إليك من حولك وتأسر القلوب.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن ينطق بالخير ويتكلم بالصدق ويتعامل مع الناس بالود والرحمة والمحبة، وأن يجعلنا من أهل الطاعة وأن يحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.