سليمان ماجد الشاهين.. قراءة في خلفيات ما قبل الغزو: مذكرة الاتهام العراقية والرد الكويتي

سليمان ماجد الشاهين
سليمان ماجد الشاهين

للشهادات التاريخية مكانتها بين الأحداث، وهي أقرب ما تكون إلى وثيقة يرويها صاحبها خصوصا عندما يكون مشاركا أو قريبا من صانع القرار ومتخذيه، ومطلعا على هذا الحدث أو ذاك.

وفي هذا السياق تبرز شهادة قدمها وكيل وزارة الخارجية السابق سليمان ماجد الشاهين، في عام 1992، أي قبل ما يقارب ثلاثين عاما، تتحدث وتلخص الأيام الأخيرة التي سبقت الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس 1990، وهذه الشهادة التاريخية كانت عبارة عن بحث ألقاه الشاهين في ندوة «المعلومات والأمن» بوزارة الإعلام في الكويت بتاريخ 4 أغسطس 1992، ومن ثم كانت لاحقا أحد أهم فصول كتابه «الديبلوماسية الكويتية بين المحنة والمهنة» الذي صدر عام 2001.

وفي هذه الحلقة يواصل الشاهين رصد الحقائق:

هل الدعوى العراقية بشأن الممرات والموانئ الشمالية مطلب حقيقي؟ إن أي منصف وأي مطلع على جغرافية المنطقة البحرية المحاذية للعراق يدرك بأن المسافة المطلة من جنوب العراق على الخليج العربي تتجاوز السبعين كيلو مترا، بدءا من رأس البيشة بالقرب من الفاو حتى أم قصر العراقية، وضمن هذه المسافة الطويلة يمكن للعراق لو كان صادقا في دعواه [في تلك الفترة] عاقلا في استغلاله لموارده الهائلة أن يقيم العديد من الموانئ على امتداد تلك المسافة في عصر توفرت فيه كافة الوسائل العلمية والعملية للحفر والتعميق والردم، في العوائق الطبيعية في تلك المنطقة أسهل بكثير من تلك التي شهدت تطورا مثيلا ضمن ظروف بيئية قاسية وأجواء عاتية وظروف طبيعية لا ترحم، حيث أقيم الكثير من الموانئ الدولية المطلة على البحار المتجمدة بعد أن أزيلت ملايين الأطنان من الصخور، وفي اعتقادي المتواضع أن الوضع بين المنطقتين لا يمكن أن يقارن، ولكن المأساة في العراق في أن القيادة هناك [والحديث هنا عن قيادة حزب البعث] تميزت بامتلاك إرادة التدمير بدلا من التعمير، وتفوقت في القدرة على خلق الأعداء عوضا عن اكتساب الأصدقاء.

أما الصفحات الأهم للفترة التي سبقت ساعات الغزو الهمجي والاحتلال الوحشي، فتمثل في المذكرة التي قدمها العراق للجامعة العربية بتاريخ 15 يوليو 1990، ومذكرته الأخرى بتاريخ 21 يوليو 1990، والتي رد فيهما على مذكرتين تقدمت بهما الكويت الشأن، وأنه لمن المفيد أن أشير إلى الإخراج المسرحي والإعلامي الذي أريد لهذه المذكرة أن تقدم به للجامعة العربية وتنشر إعلاميا.

ومن واقع استقراء أحداث تلك الساعة، نستطيع بسهولة التعرف على الأسلوب التنسيقي الذي يرقى إلى التآمر الذي قام بين الوفد العراقي وممثلي منظمة التحرير الفلسطينية وبدرجة أكثر تحفظا وأدبا الوفد الأردني في دعوة الجامعة العربية لعقد اجتماع طارئ لمجلس وزراء خارجية الدول العربية لبحث التهديدات الصهيونية والامبريالية على الأمة العربية في تونس، حيث بدأت الاتصالات المباشرة والإلحاح غير المعهود من ممثلى الأطراف الثلاثة في الكويت ودول الخليج لأهمية مشاركة وزراء الخارجية، ولكن الأجواء في منطقتنا إذ ذاك لم تكن لتسمح للكويت ولا لأية دولة خليجية أو غيرها بالتوجه إلى تونس.. وهكذا لم تسنح الفرصة للسيد طارق عزيز نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية العراقي لتقديم مذكرته بالصورة التي أريد لها أن تقدم بحضور الوزراء، فقاموا بتوزيعها بالتزامن مع الاجتماع الذي مثلت فيه أغلبية الدول بمندوبيها، وبدأت الحملة الإعلامية في تصاعدها المتشنج والمحموم.

والمذكرة العراقية احتوت المقدمات المعهودة بالإعلان عن إيمان العراق بالأمة العربية ومصيرها والمبادئ التي تحكم العلاقات العربية، وخلصت إلى تحديد ثلاثة مضامين أساسية:

الأول: موضوع الحدود، واتهام الكويت بتنفيذ مخطط بتصعيد وتيرة الزحف التدريجي والمبرمج باتجاه أرض العراق، فصارت الكوبت على زعم المذكرة العراقية تقيم المنشآت العسكرية والمخافر والمنشآت النفطية والمزارع على أرض العراق.

الثاني: اتهام الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة بتنفيذ عملية مدبرة لإغراق سوق النفط بمزيد من الإنتاج خارج الحصة المقررة في الأوبك، وأن هذه العملية بدأتها الكويت منذ أن رفع العراق صوته عاليا يدعو بقوة إلى استعادة حقوق العرب في فلسطين..الخ.

الثالث: إرفاق النص الذي أشار فيه رئيس النظام العراقي [السابق] في قمة بغداد إلى هذا الموضوع، ومن بين ما ورد فيه: «لنقل الحرب تحصل أحيانا بالجنود ويحصل الإيذاء بالتفجيرات وبالقتل بمحاولات الانقلاب وأحيانا أخرى يحصل بالاقتصاد، لذا نرجو من إخواننا الذين لا يفصدون الحرب.. أقول الذين لا يقصدون شن الحرب على العراق، أقول أن هذا نوع من الحرب على العراق».

كما تضمنت المذكرة العراقية الطلب إلى إلغاء الديون عن العراق، مشيرة إلى مشروع مارشال الأمريكي تجاه أوروبا في أعقاب الحرب [العالمية] الثانية، وضرورة قيام العرب المنتجين للنفط إلى إقامة مشروع مارشال عربي لدعم العراق، كما اقترحت المذكرة اقتطاع دولار واحد عن كل برميل نفط يباع بأكثر من ٢٥ دولار لعمل صندوق للمساعدات العربية ليصبح دخله خمسة مليارات سنويا.

ولقد نقلت هذه المذكرة أجواء المنطقة إلى درجة متوترة ووضعتها أمام مستقبل غامض كان أهم تساؤل فيه ماذا يريد العراق من هذه الفتنة الجديدة ودماء أبنائه لم تجف ودخان المعارك مع إيران لم تخمد بعد؟

وبطبيعة الحال فقد بادرت الكويت بتفنيد تلك المذكرة بتاريخ 18 يوليو 1990، وقدمت وزارة الخارجية ردها على ما ورد في الوثيقة العراقية، وهو رد لا يحتاج لكثير من الجهد والعناء، ذلك أن موقف الكويت واضح، وحقنا أوضح، لذا فقد انتهج الرد أسلوبا عمليا تمثل في مقترحات بعيدة عن الإنشائية في التعبير وعدم الخلط بين المبادئ المتفق عليها وبين ممارسة الواقع، ومما جاء في المذكرة الكويتية بشأن ترسيم الحدود الآتي: «تأكيدا من الكويت على إنهاء هذه المسألة الهامة مع العراق، وإيمانا من الكويت بسلامة موقفها وبما يمليه عليها انتماؤها القومي، فإنها تحتكم لأمتها في اختيار لجنة عربية يتفق على أعضائها، كي تقوم بالفصل في موضوع ترسيم الحدود على أسس من المعاهدات والوثائق القائمة بين الكويت والعراق، فهل يقبل العراق مثل هذا الحكم العربي انسجاما مع مبادئه وتنفيذا لروح الميثاق القومي الذي طرحه فخامة الرئيس صدام حسين؟».

كما ردت الكويت على الادعاءات بتجاوز نسبة الإنتاج المقررة بأن الكويت مثل العراق عانت من قلة الإنتاج في فترة الثمانينات والتزمت بالحصص في الوقت الذي كان في مقدورها القيام بالإنتاج بطاقات كبيرة مقارنة بمخزونها، كما أكدت مذكرتنا على استعداد الكويت لدراسة المقترح العراقي بشأن ما أسمته بصندوق المعونة والتنمية العربية، واقترحنا طرحه وتناوله بالدراسة والبحث في نطاق الجامعة العربية باعتبار أن الكويت رائدة في ميدان المساعدات والمعونات ولا تتردد في المساهمة بأي مشروع عملي وجماعي يستهدف خير هذه الأمة، والعراق الذي ينهج مخططا غدوايا بغرض التهيئة للعدوان الصريح تناول الوثيقة الكويتية برد بتاريخ 1990/7/21، وهي مذكرته ااثانية التي تضمنت من السباب من الخروج على لياقة الخطاب الشيء الكثير، كما كرر جملته المعهودة التي تقول أن الكويت تعمد بأسلوب مخطط ومبرمج وطيلة سنوات الحرب بالزحف على الأراضي العراقية وإلحاق الأذى بالعراق، ولا أعلم هل هو إعجاب بصياغتها أم تنفيذ لنص حرفي من قائدهم، لأنها استخدمت كثيرا في إعلامهم فيما بعد؟ وركزت المذكرة على موضوع الحدود رافضة تعبير الترسيم مؤكدة على أن ما بين الكويت والعراق هي مشكلة الحدود، واستعانت مذكرة السيد طارق عزيز هذه بجمل من رسالة من الدكتور سعدون حمادي بتاريخ 1990/4/30 إلى الشيخ صباح الأحمد، واختار حملة مجتزأة تناسب أهداف هذه المذكرة المقدمة للجامعة العربية، والجملة المجتزأة عن وضع الحدود هي كما يلي: «هو في الواقع وضع بلدين متجاورين تجمعهما أواصر القربى الوثيقة لم يتوصلا حتى الآن إلى اتفاق حول تحديد حدودهما في البر والبحر»، واتهم السيد طارق عزيز في مذكرته الكويت بالمماطلة والتسويف في حل هذه القضية.

شاهد أيضاً

الذكرى الـ 21 لرحيل سامي المنيس

كتب علي حسين العوضي في عام 1996 كانت بدايتي في العمل الصحافي في جريدة السياسة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *