سليمان ماجد الشاهين قراءة في خلفيات ما قبل الغزو.. كان المطلوب التنازل عن سيادة الكويت

سليمان ماجد الشاهين
سليمان ماجد الشاهين

للشهادات التاريخية مكانتها بين الأحداث، وهي أقرب ما تكون إلى وثيقة يرويها صاحبها خصوصا عندما يكون مشاركا أو قريبا من صانع القرار ومتخذيه، ومطلعا على هذا الحدث أو ذاك.

وفي هذا السياق تبرز شهادة قدمها وكيل وزارة الخارجية السابق سليمان ماجد الشاهين، في عام 1992، أي قبل ما يقارب ثلاثين عاما، تتحدث وتلخص الأيام الأخيرة التي سبقت الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس 1990، وهذه الشهادة التاريخية كانت عبارة عن بحث ألقاه الشاهين في ندوة «المعلومات والأمن» بوزارة الإعلام في الكويت بتاريخ 4 أغسطس 1992، ومن ثم كانت لاحقا أحد أهم فصول كتابه «الديبلوماسية الكويتية بين المحنة والمهنة» الذي صدر عام 2001.

وفي هذه الحلقة يرصد الشاهين الاجتماعات الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح عندما كان وزيرا للخارجية مع الجانب العراقي:

كان رأي الكويت واضحا فيما تضمنتاه تلكما المسودتان حيث تجعلان من البلدين ساحة واحدة لقضايا الدفاع والمواني والمطارات وحتى المشتريات العسكرية وغيرها من التفاصيل الأخرى، بمعنى أوضح كان المطلوب التنازل عن سيادة الكويت واختطافها طواعية بأسلوب يكشف عن أهداف ونوايا هؤلاء الجيران.

هذا وقد كان رد الشيخ صباح الأحمد واضحا، فقد قال من بين ردود أخرى: لماذا لا تعرضها يا أخ سعدون على إخوانكم في مجلس التعاون العربي، فهل يقبلها أحد منهم أو يقبل بندا واحدا من بنودها؟ ثم أن التسهيلات المعطاة للعراق كان دافعها وطنيا وقوميا، ولم يتطلب الأمر اتفاقية أو عقدا بيننا، والكويت ستقف مع أشقائها دوما، وجدت اتفاقية أم لم توجد.. أما الاتفاقية الدفاعية فإننا شركاء وأعضاء في اتفاقية الدفاع العربي المشترك حيث تضمنا جميعا تلك الاتفاقية ولا ينقصها سوى التطبيق. علما بأن العراق آنذاك قد عرض اتفاقيات مختلفة النصوص تنظم التعاون الأمني على بعض الدول العربية ووقعت البحرين الشقيقة إحداها إذ ذك.

كان من الطبيعي أن ترفض تلكما الاتفاقيتان، ويستتبع ذلك قيام الشيخ صباح الأحمد بتسليم نسخ عنهما بصورة خاصة في أول اجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، كما قمت شخصيا بتسليم نسخة عنهما للأخ الدكتور أسامة الباز مستشار الرئيس المصري ووكيل وزارة الخارجية وذلك للإحاطة والعلم.

وهنا يجب أن نلحظ أن هذين المشروعين قدما في الوقت نفسه الذي يطرح فيه ترسيم الحدود، وغير خاف على أي متتبع للأمور المغزى من وراء تقديمهما بصورة مواكبة وموازية لمساعي حل مشكلة الترسيم حيث لا يخرج الزمر عن هدفين، أحدهما استخدام إحداها كوسيلة ضغط لتحقيق الأخرى.. أي استخدام الترسيم كضغط لتحقيق الاتفاقيتين، أو طرح هاتين الاتفاقيتين كورقة مساومة لتحقيق مطالب العراق في قضية الحدود، وفي كليهما فإن الأمر مكشوف لنا، حيث نتيجة أي منهما هي تحقيق لمصلحة العراق وحده على حساب سيادة وأمن بل وجود الكويت.

أما الهدف الآخر فيحتمل أن يكون ذلك الطرح المزدوج لخلط الأوراق فتتداخل القضايا ويؤجل البت إلى حين توفر مرحلة إقليمية أو دولية أفضل ضمن الحسابات العراقية.

شروط عراقية

وعلى ذكر موضوع الترابط بين قضية الترسيم والأهداف العراقية الأخرى، فإنه من الأهمية بمكان أن نشير إلى أن مثل هذا التفكير طرحه العراق في وقت سابق، ففي الثاني من مايو 1972 زار الكويت السيد مرتضى سعيد عبدالباقي وزير الخارجية آنذاك، وبالطبع كانت قضية الحدود وترسيمها هي موضوع الكويت الأول، وهنا أبدى الوزير الزائر استعداد بلاده للعمل من أجل حل المشكلة بشروط، منها:

أولا: التنسيق السياسي بين العراق والكويت بما يتعلق بقضايا الخليج.

ثانيا: استخدام رأس المال الكويتي في العراق.

ثالثا: السماح بتنقل الأيدي العاملة العراقية إلى الكويت بصورة مفتوحة وحرة.

رابعا: تعاون دفاعي مشترك بين البلدين.

خامسا: إيجاد مناطق استراتيجية للعراق في الكويت.

واستطرادا لما تم في زيارة الشيخ صباح الأحمد إلى بغداد في 1990/2/28، فقد لاحظنا أن الدكتور سعدون حمادي يكرر الطلب في أن تقدم الكويت أي مقترحات تتضمن شيئا ملموسا للعراق، وطلب منه الشيخ صباح الأحمد أن يفصح بما يود معرفته بشكل صريح، فقال الدكتور سعدون: نتحدث عن الاستفادة من جزيرتي فيلكا وبوبيان، وهنا احتد الشيخ صباح، وقال: لأول مرة نسمع حديثكم عن فيلكا، وهل تعلمون بأنها مأهولة بالسكان كأي منطقة سكنية في كل الكويت، أما بوبيان فهل تعلمون بأنها ربع مساحة الكويت، والكويت بكل جزرها وجميع أراضيها جزء لا يتجزأ عن بعضها البعض، ولا أحد في الكويت يستطيع أن يتنازل عن أراضيها الموثقة في الاتفاقيات القائمة بين العراق والكويت.

ولكن الكويت تؤكد إيجابيتها الدائمة في هذا الموضوع ممثلة في كوننا نتفهم الاحتياجات العراقية لمنافذ أوسع لها في شمال الخليج العربي، لذا فإن الشيخ صباح كان واضحا في هذا الأمر، حيث أن تثبيت الترسيم أمر ومطلب وحق قانوني لا يخضع للمساومة والمقايضة، ولكنه يتعهد شخصيا ويؤكد بأن كل اتفاق ممكن التوصل إليه بين الطرفين إذا ما تم الانتهاء من ترسيم الحدود.

وهنا قال الدكتور سعدون: عجيب! إن «وربة» هي عراقية وباعترافكم وهي خارجة عن أي اتفاق. فاحتد الشيخ صباح مستغربا اللهجة الجديدة بشأن وربة، مؤكدا على أنه لا أحد في الكويت يستطيع أن يتنازل عن أراضي وجزر الكويت، وارتفعت حرارة الجدل بين الرجلين حول هذا الموضوع لدرجة أنه والحال كذلك أصبح من المستحيل التوصل إلى رأي وسط.

اجتماع 1973

حقيقة إن موضوع دراسة إمكانية النظر في احتياجات العراق لم تكن وليدة الساعة، بل نستطيع أن نجدها في المناقشات المستفيضة من خلال الزيارة التي قام بها الشيخ صباح الأحمد إلى بغداد من السادس والعشرين من فبراير إلى الأول من مارس 1973، وقد اجتمع بصدام حسين الذي كان يشغل نائب رئيس الوزراء، فتحدث صدام قائلا ما نصه: «بعد أن أقر مجلس قيادة الثورة ترسيم الحدود بين البلدين رغم أن ذلك لا يتفق مع مبادئ الحزب الذي لا يؤمن بالحدود بين أرجاء الوطن العربي، فإنه يبدي رأيه في الحدود بين البلدين وهو مقتنع بأن جزيرتي وربة وبوبيان إنما هما أراض عراقية». وكان رد الشيخ صباح واضحا وحاسما بأن التنازل عن أراض كويتية غير وارد إطلاقا، وأن الكويت تدرك الأهمية الجغرافية للممرات المائية شمال الخليج بالنسبة للعراق، وأنها لذلك على استعداد للدخول في مفاوضات مع العراق كي يسهل له استخدام هذه الممرات، ولكن ذلك يجب أن يتم بعد الانتهاء من تحديد وترسيم الحدود.. نخلص من ذلك بأن الموقف الكويتي لم يكن في أي وقت من الأوقات متعنتا في هذا الموضوع، وإنما يتمثل في موقف مبدئي مشروع، وهو أهمية الانتهاء من ترسيم الحدود باعتبارها قضية قانونية يجب أن تحسم من دون مقايضة أو تنازل، وثانيا أن الكويت متفهمة للمطالب والادعاءات العراقية في احتياجاته لموانئ أوسع مطلة على الخليج العربي، ولذا فإن الكويت بدورها لم تتردد في تقديم المساعدة بالحلول العملية لتلك المشكلة وبصورة مشروعة تحقق الحقوق وتلبي المطالب من دون أي انتهاك للسيادة أو ابتزاز للموقف.

شاهد أيضاً

الذكرى الـ 21 لرحيل سامي المنيس

كتب علي حسين العوضي في عام 1996 كانت بدايتي في العمل الصحافي في جريدة السياسة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *