طارق الفارس | «صهيون» أو «صيون»

طارق الفارس
طارق الفارس

يتردد كثيرا على مسامعنا بعض المصطلحات التي يتوجب علينا معرفة الأصل في تسميتها، وماهية مقصودها وتداولها.

«صهيون» كلمة نرددها بكل الشعارات والمظاهرات المعادية لإسرائيل، ولكن هناك الكثير ممن يجهل أصل هذه الكلمة.

استخدم الكنعانيون كلمة صهيون لتدل على جبل القدس أو جبل صهيون بالقدس، كما استخدمها اليهود الذين  سكنوا  في ذاك الوقت لتدل على جبل القدس، وقد ذكرت أيضا بالتوراة بمعنى المدينه المقدسة، أي أن أصل الكلمة يعود لزمن الكنعانيون ومعناها في لغتهم الجب المشمس الجاف.

إن هذه التسمية لم تكن تحمل في البداية أية أهمية، خصوصا لبني إسرائيل أو من صاروا يُعرفون بعد ذلك باليهود، بدليل أن نبي الله  داود أطلق على جبل صهيون أو حصن صهيون اسم «مدينة داود» .

وهنا يتناول د. عبد الله الحلو عددا من المواقع لبيان دلالتها بالآرامية، منها موقع (صهيا) التي تعني العطش والجفاف، التي قد تكون قرية في إقليم بانياس (جبل الشيخ)، أو قرية حوش صهيا الواقعة إلى الجنوب من دمشق، ويذكر أن إحدى قرى معرة النعمان تعرف باسم (صهيان) وهي صيغة جمع آرامية بمعنى الأماكن العطشى. وأما عن تسمية «صهيون» فيقول إن المصادر العربية عرَّفت مكانين باسم «صهيون» أو «صيون»، ففي البداية كانت اللفظة الآرامية «صيون» قد أطلقت على قسم من المرتفعات الشرقية لمدينة القدس وكانت هذه التسمية تمتد أحيانا لتشمل القدس نفسها، حتى أن أحد أبواب المدينة سمي «باب صهيون»، وإحدى كنائسها سميت «كنيسة صهيون» ، وهو ما يذكره أغلب الجغرافيين العرب.

هذه اللفظة الآرامية مشتقة من الجذر «صوا» أي عطش وجف، وهو مرادف للجذر «صها» الذي اشتق منه اسم «صهيا»، بحيث إن صيغة «صيون» تعني هنا أيضا البقعة العطشى، والأرجح هنا أن التسمية سريانية قديمة، بدليل وجود الهاء فيها ما نتج عنه الياء المشدد في لفظة «صيون».

يذكر المفكرون الصهاينة أن الحاجة الماسة والضرورية لإقامة وطن قومي يهودي قديمة، ظهرت بعد الأسر البابلي على يد نبوخذ نصر، وأيضا لاعتقاد المتدينين اليهود أن أرض الميعاد (التسمية اليهودية لأرض فلسطين) «قد وهبها الله لبني إسرائيل، فهذه الهبة أبدية ولا رجعة فيها»، إلا أنهم لم يتحمسوا كثيرا للصهيونية باعتبار أن أرض الميعاد ودولة إسرائيل لا يجب أن تقام من قبل بني البشر، بل يجب أن تقام على يد المسيح المنتظر.

في منتصف القرن التاسع عشر ظهر حاخامات دعوا اليهود إلى تمهيد الطريق للمسيح المنتظر بإقامة وطن قومي لليهود، فبدأ زمن الهجرات إلى فلسطين.

تعاقبت الأحداث سريعا ما بين الأعوام 1890-1945، وكانت بداية الأحداث هي التوجه المعادي للسامية في روسيا ومرورا بمخيمات الأعمال الشاقة التي أقامها النازيون في أوروبا، وانتهاء بعمليات الحرق الجماعي لليهود (الهولوكوست)، وغيرهم على يد النازيين الألمان إبّان الحرب العالمية الثانية. 

تنامت الرغبة لدى اليهود الناجين من جميع ما ذكر بإنشاء كيان يحتضن اليهود، وتم إقناع السواد الأعظم من اليهود بإنشاء كيان لهم في فلسطين.

ومما يذكره البروفيسور شلومو ساند حول هذا الموضوع أن مناطق غرب الإمبراطورية الروسية التي كانت تستوطنها جماعات كبيرة من اليهود قد واجهت ضغوطا متزايدة من السكان الروس في العام 1881، الأمر الذي أدى إلى خلق ظروف معيشية صعبة دفعت بالكثيرين منهم (حوالي 2.5 مليون يهودي) إلى الهجرة باتجاه أوروبا. و في أوروبا خاف اليهود (سكان أوروبا) من تنامي العداء لليهودية بسبب الهجرة من روسيا، فدفعوا بالمهاجرين إلى مواصلة الهجرة إلى الولايات المتحدة، لكن في الوقت نفسه أخذ أثرياء اليهود البحث عن حلول أخرى من أجل تخفيف ضغط تدفق اللاجئين، فتبرع البارون موريس دي هيرش بإنشاء المستعمرات في الأرجنتين،  وقام بالشيء نفسه في فلسطين البارون إدموند دي روتشيلد.

ومن هنا نجد أنه على مر الزمن، حاول الصهاينة الإنقضاض على الأراضي الفلسطينية بأي ثمن أو طريقة .

سأستكمل في المقالات القادمة تاريخ الحركة الصهيونية، تأسيسها، مآربها، ولتنوع المصادر في هذا الخصوص ولإستيجاب  البحث والمقارنة، سأعمل على سرد الأحداث بأكثر من مقال لعدم الإطالة على القراء الأعزاء.

الحق أحق أن يتبع.. والقدس عاصمة فلسطين شاء من شاء، وأبى من أبى.

شاهد أيضاً

دانة الراشد

دانة الراشد | كن لطيفا

اللطف صفة يستهين بها البعض ويستخف بها الكثيرون، فلا ندرك أثرها الكبير على الأنفس إلا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *