عبدالله النيباري.. نضال سياسي لواقع أفضل (١)

عبدالله النيباري
عبدالله النيباري

كتب علي حسين العوضي

في سنوات وجودي بجريدة الطليعة الكويتية كمدير للتحرير منذ عام 2011 إلى 2016، كانت علاقتي مع الأستاذ عبدالله النيباري تأخذ أكثر من اتجاه ومنحى، فهو كان رئيسا لتحريرها، وكعادته دائما ينتظر اللحظات الأخيرة قبل طباعة العدد الأسبوعي ليزودنا بمقاله، يرافق ذلك كلمات رقيقة تعبر عن اعتذاره الشديد للتأخير في تسليمه. وبالتأكيد لهذا الأمر ما يبرره، وهو أهمية أن تكون الصحيفة الأسبوعية مواكبة لتطورات الأحداث وتفاصيلها، حتى تكون قريبة من القارئ، وهو ما كان يحرص عليه دائما «أبو محمد».

واعتدت دائما أن أراجع المسودة الأولى من كتاباته بحكم عملي ووظيفتي في «الطليعة» قبل أن تأخذ الطريق المعتاد في التصحيح اللغوي، ومن ثم إلى النشر على الصفحة الأولى، ولعل ذلك هو جانب من العلاقة المهنية معه.

أما علاقتي مع النيباري فابتدأت قبل التحاقي وانضمامي للمنبر الديمقراطي الكويتي، وتكرست بشكل أكبر بعدها، خصوصا مع وصولي إلى مركز القيادة في وقت كان هو الأمين العام للمنبر، ما أتاح لي احتكاكا معه بصورة مباشرة، ومعرفة لطريقته في إدارة تنظيم أو حزب سياسي، وكيف يطرح رأيه وهو على رأس المنبر، وكيف كانت ديمقراطيته عندما كنا نختلف معه في الاتجاه والرأي والموقف.

لقد كان دائم السعي لرأي توافقي بين الأعضاء، ومستمعا للجميع، حتى لو كان رأي أحدهم بسيطا وعاديا لا يستحق الاهتمام. وهنا أتذكر هذا الموقف في مهرجان طلابي أقيم في جمعية الخريجين الكويتية بمشاركة مجموعة من ممثلي القوائم الطلابية، وكان اللافت فيه كِبَر عدد المتحدثين الذين أخذوا كثيرا من الوقت أثناء حديثهم، وما إن اقترب المهرجان من نهايته بعدما أنهى 6 منهم خطبهم وبقي اثنان، بدأ الحضور بالانسحاب التدريجي والمغادرة، وكذلك الوسائل الإعلامية من مصورين ومحررين، وبدت القاعة خالية من الحضور إلا فيما ندر، وحتى بعض الشخصيات السياسية همَّت بالمغادرة، إلا أن النيباري ظل في مكانه، متابعا ومراقبا، حتى أنهى عريف المهرجان هذا الفعالية، فكان آخر مَن خرج منها.

وللنيباري عادة قلما تتوافر في أية شخصية، فقد اعتاد على عملية «التدوين»، وبالذات عندما يكون موجودا في اجتماع أو ندوة، بهدف قياس الآراء تجاه مختلف القضايا والمواضيع التي تطرح، يضاف إلى ذلك متابعته للتقارير المنشورة في مختلف الوسائل الإعلامية؛ محلية كانت أم عربية ودولية.

رحلة عبدالله النيباري السياسية بدأت أثناء دراسته بالقاهرة في فترة المد القومي في خمسينيات القرن العشرين، وانتصار ثورة الضباط الأحرار بقيادة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حيث نشط بين الأوساط الطلابية الكويتية والعربية، وبالذات بعد إنشاء رابطة الطلبة الكويتيين في القاهرة كتنظيم يعبِّر عن اتجاهات ومواقف المجموعات الطلابية.

وفي عام 1967 كان ضمن قائمة «نواب الشعب» التي خاضت انتخابات مجلس الأمة الثاني، ولم يكتب لها النجاح، بسبب التدخلات المباشرة في نتائجها.

وفي عامي 1971 و1975 نجح في الوصول إلى قبة البرلمان مع زملائه الوطنيين والتقدميين: بقيادة د.أحمد الخطيب وأحمد النفيسي وسامي المنيس. وفي انتخابات 1981 و1985 لم يُكتب له فيهما النجاح، إلا أنه عاد مجددا في مجالس: 1992 و1996 و1999، في حين خسر انتخابات 2003 و2006 و2008، وكان العام الأخير هو نهاية المطاف لتجربة العمل الانتخابي والبرلماني، إلا أن ذلك لم يمنعه من التواجد في مختلف المحافل كمتحدث ومحلل يطرح اتجاهات الحركة الوطنية الكويتية.

وفي عام 1997 تعرض هو وزوجته لمحاولة اغتيال، وقد تسامى النيباري على جروحه بعد عفوه في عام 2015 عمن قام بهذه المحاولة.

وبالتأكيد خلال هذه المسيرة الممتدة، طرح النيباري آراءه وأفكاره في الدفاع عن الدستور والحياة الديمقراطية بالكويت، في مناسبات عدة، سواء من خلال مقالات أخذت طريقها إلى النشر في جريدة الطليعة الأسبوعية، أو ندوات ومحاضرات شارك فيها، وكذلك لقاءات وحوارات لعدد من الوسائل الإعلامية.

لقطة تجمع النيباري مع الراحل جاسم القطامي ود.أحمد الخطيب في انتخابات ١٩٩٢
لقطة تجمع النيباري مع الراحل جاسم القطامي ود.أحمد الخطيب في انتخابات ١٩٩٢

الكويت تميزت بوحدتها الوطنية 

يقول النيباري: «لم تكن المرحلة الدستورية من حياة الكويت السياسية، التي بدأت مع صدور دستور 1962، إلا ثمرة نضال متواصل خاضه الكويتيون منذ بدايات القرن العشرين، وعلى وجه التحديد منذ تبوؤ الشيخ أحمد الجابر سدة الحكم عام 1921، كما أن الاطلاع على ما هو متوافر من أدبيات عن تاريخ الكويت السياسي يبين بوضوح طموح الكويتيين في دفع عجلة التطور والتقدم، لتواكب متطلبات العصر، في ظل التطورات الحاصلة في عدد من دول الجوار، وصولا إلى تطوير المشاركة في صنع القرار السياسي».

ويتابع: «ومَن يقرأ التاريخ الكويتي بتمعن شديد يركن إلى خصوصية الكويت ككيان سياسي واجه تحديات لاستقلاله، نجح بتجاوزها بفضل سلاح وحدته الوطنية وتلاحم مكوناته الاجتماعية في التصدي لما يهدده من مخاطر. وبهذه الوحدة الوطنية تميّزت الكويت بتطورها الاجتماعي والسياسي».

ويضيف: «لقد بُذل مجهود مضن لوضع دستور يكون خريطة طريق للتحول إلى نظام ديمقراطي يضمن مشاركة شعبية فعّالة في صنع القرار وإدارة شؤون البلد، وإيجاد نظام للرقابة والمحاسبة، وترسيخ حُكم القانون لحماية حقوق المواطنين جيلا بعد جيل في حياة حرة كريمة وعدالة اجتماعية، إلا أن رحلة الوصول إلى إقرار الدستور لم تكن سهلة وهيّنة، بل واجهت صعابا وصراعات، قبل أن تثمر إقرار ذلك الدستور الذي اعتبر، ولايزال، نقلة كبيرة ونوعية وانعطافا تاريخيا في الجزيرة العربية والخليج».

شاهد أيضاً

د. عبد المالك التميمي

د‭.‬عبدالمالك‭ ‬التميمي‭ ‬في‭ ‬ذمة‭ ‬الله

خسرت‭ ‬الكويت‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالمالك‭ ‬التميمي‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬القامات‭ ‬الثقافیة‭ ‬والأكادیمیة‭ ‬الكويتية‭ ‬والعربية،‭ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *