
في ظل غياب عدد من التنظيمات والقوى السياسية الكويتية عن المشهد العام المتردي، حيث آثرت السكوت والخمول، وقررت الانغماس فيهما، لم يتبق أمام الشارع الكويتي من ملاذ يتبنى اتجاهاته وآرائه ومواقفه سوى القوى الوطنية الديمقراطية والتقدمية، ونقصد هنا تحديدا المنبر الديمقراطي الكويتي والحركة التقدمية الكويتية فقط، بعد أن ذاب التحالف الوطني الديمقراطي و«تفلش»، وتشتت أعضاء الحركة الليبرالية الكويتية يمينا ويسارا.
ولعل بقاء هذين التنظيمين يعطيان مؤشرا لوعي قادم من الممكن أن يسد الفراغ القائم لحل القضايا العالقة والمتأزمة، سواء بطرح مبادرات وطنية ومواقف مجتمعية، خصوصا وأنهما اليوم لا يملكان تمثيلا برلمانيا كحال بعض التنظيمات والقوى السياسة الأخرى.
هذه الوضعية تستدعي أكثر من ذي قبل ضرورة التنسيق المشترك والدائم، وتفعيل أدواتهما في مختلف الاتجاهات، بما يضمن الدفاع عن الحقوق المجتمعية التي أخذت بعض القرارات تنتقص منها لأسباب متعددة، خصوصا في ما يتعلق بالوضع المعيشي، ومحاولات الحكومة تغطية عجزها على حساب المواطن.
وهذا يعني أن التحركات القادمة للمنبر الديمقراطي والحركة التقدمية يجب أن تكون مشتركة ومنسجمة، وأن تجمع الشتات المتناثر تحت رايتهما، وأن يبدءا معا تفعيل مثل هذه التحركات والمواقف من خلال المبادرة التي سبق تبنيها التي تستلزم التعاون بما يمهد عودة العناصر الوطنية والتقدمية الشابة لتمارس دورها المنشود، وإعادة الاعتبار للتيار الوطني الديمقراطي برؤيته الإصلاحية والتقدمية، وهو المأمول في المرحلة الحالية وما تتطلبه ظروفها الموضوعية التي تحتم مثل هذا الاتجاه.
القطب الثالث
ما يقابل ما تم ذكره أمر لا مناص منه، وهو ضرورة أن يستعيد المجتمع المدني دوره المفقود الذي تنازل عنه، ويكون ضلعا مساهما تكتمل به الترسيمة المجتمعية للقوى الديمقراطية.
وبالتأكيد هذه الأطروحات ليست صعبة التنفيذ أو مستحيلة التحقيق، فكل ما يستلزم بهذا الشأن هو الرغبة الأكيدة للوصول إلى بلورة مفهوم «القطب الثالث» الوطني، وهو مفهوم طرحته الحركة التقدمية الكويتة في وقت سابق، ويحتاج إلى تفعيل جدي.
وبالتأكيد «القطب الثالث» من الممكن أن يغلق الفجوة الحالية، وإعادة نمط الاتزان السياسي، إذا ما حمل بين طياته البرنامج الديمقراطي والرؤية الوطنية، ومعالجات حقيقية لقضايا الواقع المعاش الذي يعاني منه الجميع في ظل سيطرة نزعات المتنفذين التي لا تتوقف.
لن نطيل أو نسهب في عرض القضايا المطلوب العمل من أجلها، فهي باتت معروفة، فما يهمنا اليوم هو إعادة بلورة العمل الوطني وآلياته المنظمة بما يفتح آفاقا أكبر، بعيدا عن الانغلاق.