
للعمل البرلماني أهميته الكبرى في أي نظام ديمقراطي حقيقي يسعى للنهوض بمجتمعه وفق أسس تنموية واضحة المعالم، حيث أصبح هذا العمل مثار جدل واسع بين مختلف الأوساط والقطاعات الشعبية.
وقبل كل شيء لنحدد مفهوم النظام البرلماني فهو، بحسب العديد من المصادر، نظام يحدد بتوازن دقيق ومعلوم طبيعة التعاون والعمل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بحيث لا تطغى سلطة على أخرى، وأن تخضع التنفيذية لرقابة التشريعية، وأن تتحمل الحكومة مسؤولياتها أمام البرلمان المنتخب من خلال الإرادة الشعبية، ما يعني مواجهة الخطأ السياسي ومن المسؤول عنه.
ومسؤولية الحكومة تكمن في أنها الجهة أو السلطة المناط بها عمليات الإدارة العامة للبلد، ولذلك فإنها تشكل المحور الأساسي الذي يدور حوله العمل البرلماني بشتى أدواته وصنوفه.
وفي ظل نظام برلماني متكامل تعتبر السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) مكملة لبعضها، وهو ما حرص عليه الدستور الكويتي وفق المادة ٥٠ منه، التي نصت صراحة على «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور، ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور».
ويضاف إلى ذلك الدور الكبير الذي تمارسه اللجان البرلمانية المتنوعة، فهي المختصة بدراسة المشاريع بقوانين وتقديم التقارير اللازمة والضرورية لإدراجها في جدول أعمال البرلمان لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها. فيما تأتي اللائحة الداخلية لتنظيم عمل البرلمان بما يضبط أداء النواب وممارساتهم.
قد يكون ما أسلفنا به هو جانب نظري، ولكنه مهم في فهم العمل البرلماني وبالذات في الجانب الذي يتعلق بالحكومة، ونكررها الحكومة لأنها معنية بصىورة مباشرة بوضع البرنامج العام وتفاصيله، لأنه دون هذا البرنامج لا يمكن أن يحدث استقرار للعمل البرلماني ويحصل تعطيل لأدواته الدستورية، مثل تأجيل الاستجوابات والالتفاف على الرقابة، ومن ثم اتهام البرلمان بعرقلة أداء الوزراء!
قواعد السلوك
وفي مقابل ذلك لا يمكننا إغفال مسألة مهمة تتعلق بالنواب أنفسهم، وهنا نعود إلى تقرير للأمانة العامة لمجلس الأمة في نوفمبر ٢٠١٣ حول مقترح لإنشاء «لجنة القيم وقواعد السلوك البرلماني»، حيث أشارت فيه إلى المباديء السبعة لمدونة السلوك البرلماني البريطاني، وهي:
١– العمل للمصلحة العامة.
٢– النزاهة.
٣– الموضوعية والحيادية.
٤– المساءلة (مساءلة الناخب للنائب).
٥– الانفتاح والاستعدادلشرح الموقف تجاه القرارات والقوانين.
٦– الصدق.
٧– القيادة.
وهذه المبادئ نتركها للجميع لقياس مدى تبلورها وانطباقها على واقع الحال، سواء على النواب أو حتى الوزراء باعتبارهم أعضاء في مجلس الأمة بحكم وظائفهم.
أوضاع لم تتبدل
ومنذ انتخابات ديسمبر ٢٠٢٠ كان الأمل يحدو الجميع أن تلتقى كتلة الأغلبية البرلمانية حول اتجاهات محددة طرحتها أثناء تلك الانتخابات، وأن تقرأ الحكومة الواقع السياسي والمسار الشعبي، لتتكامل الترسيمة السياسية بين السلطتين، ولكن للأسف الشديد لم يتحقق هذا الأمر، بل شهدنا استمرار لصراع بين الطرفين لم تهدأ أوصاله، ما يحتم البحث عن مبادرة وطنية تستهدف إعادة القواعد الدستورية لمكانها الصحيح وإزالة أسباب التوتر والتأزيم.
ورغم العودة الشعبية بعد مشاركة مجموعات وتنظيمات وشخصيات سياسية في انتخابات ٢٠١٦ و٢٠٢٠، إلا أن الأوضاع العامة لم تتبدل، فذلك يرجع إلى الرؤية الحكومية ونمط تحالفاتها والاتجاهات التي تسير عليها، وانسداد أفق التغيير.
من الممكن استغلال أجواء العطلة البرلمانية الصيفية التي يغلفها هدوء لتهيئة أجواء وبيئة تدفع نحو إصلاح سياسي عام مدخله الأساسية العمل الجماعي البرامجي، لا أفكار فردية وفق قاعدة «كل يغني على ليلاه»، فالتحديات أمام المجتمع الكويتي كبيرة، وهذه التحديات لا يمكن التصدي لها والوقوف أمامها في ظل استمرار الأزمة السياسية بين السلطتين.