
شهدت الساحة السياسية المحلية تحركا هادئا دون أية ضجة إعلامية من قبل أطراف وطنية وديمقراطية تستهدف إيجاد مخرج آمن وسليم للأزمة السياسية المتفاقمة بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية.
وقد انطلقت هذه التحركات بلقاءات ثنائية مع عدد من النواب وبعض المسؤولين وشخصيات أخرى، وكذلك لقاءات مع تنظيمات وقوى سياسية، مع استمرارها لتشمل الجميع دون استثناء.
وتأتي هذه اللقاءات الثنائية كمرحلة تمهيدية أولى لخلق أرضية توافقية مشتركة تتبلور من خلالها مبادرة تحظى بدعم الجميع، على أن تحمل هذه المبادرة التطلعات الشعبية والمجتمعية وفق برنامج للإصلاح وآليات العمل.
وبالتأكيد نحن اليوم بحاجة ماسة لمثل هذا التحرك وهذه المبادرة، ولكننا قبل ذلك نحتاج إلى رغبة صادقة من السلطتين للتحرر من الموقف المأزوم الذي تضيع من خلاله فرص الإنجاز الحقيقية التي بدأت تقل وترتفع موجة تكاليفها.
وبحسب بعض المصادر المقربة من هذا التحركات التي يقودها فصيل سياسي وطني، فإن هناك مؤشرا لقبول مثل هذه المبادرة، ولكنه مؤشر مرتبط بمدى التزام وجدية طرفي الأزمة السياسية ورغبتهما في الوصول إلى حالة الاستقرار السياسي العام.
ورغم هذه التحركات واللقاءات التي تجري بوتيرة متسارعة دون ضجة إعلامية، إلا أنها أخذت مدى طويل في عمليات التنسيق المشترك، ونحن بانتظار ما ستسفر عنه من نتائج، فالشارع الكويتي يترقب المحصلة النهائية التي نأمل أن تكون بعيدة عن أية حسابات سياسية أخرى وفق منطق «الربح والخسارة».
طرف ثالث
وأمام تلك الوضعية يبقى أهمية وجود «الطرف الثالث»، وهو طرف مهمته الأساسية أن يكون حلقة الاتزان بين السلطتين، وأن يكون قادرا في الوقت ذاته على احتواء الخلاف، ونعلم أن هذه مهمة صعبة، ولكنها بالتأكيد ليست بالمستحيلة إذا ما تضافرت الجهود لإنجاح أية مبادرة من شأنها حل الأزمة الحالية.
لا نريد إضاعة المزيد من الفرص التي قد لا تتكرر في المنظور القريب، بل على الجميع وضع المعالجات المنطلقة من أحكام دستور ١٩٦٢ الذي يجب أن يكون الركيزة الأساسية لأية مبادرة، وأن تتفهم السلطتين الظروف الموضوعية التي تمر بها الكويت في المرحلة الراهنة.
لذا فإن أية عملية نحو الإصلاح والتغيير حتى تصبح ناجحة يجب أن تبدأ من إيمان مطلق من قبل الأطراف المعنية به، وأن هذا الأمر ضرورة حتمية وأن تعمل لأجله وفق آليات محددة حتى نصل إلى الهدف المنشود.
روح المسؤولية
هذه المعطيات تتطلب التعامل الأمثل من خلال اللقاءات والحوارات المقامة بما هو متاح، بداية من إعادة قراءة المشهد السياسي العام بصورة هادئة وبعيدا عن مسارات من شأنها بقاء الأزمة الحالية، وأن يكون التعاون بين السلطتين يحمل روح المسؤولية المشتركة وفق المادة ٥٠ من الدستور، وأن تمتثل الحكومة للرقابة البرلمانية التي تحاول تعطيلها كلما سنحت لها الفرصة.
الأمر الآخر، فإن التحركات نحو المبادرة يجب أن تحمل مشروعا واضحا وبالذات فيما يتعلق ببعض القوانين التي كان لها أثر مباشر، وأهمية تعديلها.
ما نأملة أخيرا ألا تكون هذه اللقاءات والحوارات مجرد ردة فعل، أو واجب ثقيل على الأطراف المعنية بهدف كسب الوفت، أو أن تكون «استراحة» مؤقتة مع العطلة البرلمانية، وبالتالي إجهاض أية محاولة لتجاوز الأزمة السياسية بين الحكومة ومجلس الأمة.