علي حسين العوضي | حافظوا عليها قبل لا تروح منكم

علي حسين العوضي
علي حسين العوضي

منذ استقلال الكويت وإنهاء معاهدة الحماية البريطانية في 19 يونيو 1961، بقيت آمال الشعب الكويتي كبيرة في اللحاق بركب التنمية والتطور في كافة المجالات، من خلال دولة مدنية حديثة تمتلك المقومات الأساسية، فتوّجت هذه الآمال بإقرار الدستور في 11 نوفمبر 1962، وتلاه المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية، تجسيداً وفهماً للمادة السادسة من الدستور، التي أكدت بوضوح تام أن «نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للأمة».

نقلة نوعية

لقد شهدت الكويت بعد تلك الفترة نقلة نوعية ونهضة حقيقية شملت مختلف مناحي الحياة، فتطورت معها الحياة الثقافية والفنية، وارتفع مستوى الجانب الرياضي، وبدأت الخدمات الاجتماعية، من تعليم وصحة وغيرهما، تغطي احتياجات المواطن، ونمت الكويت ووصلت إلى حد غير مسبوق، مقارنة بالدول المحيطة، حتى باتت في ظل هذا التقدُّم قبلة لأنظار الجميع، سواء من الطامحين في دول الجوار بانتهاج النهج ذاته، أو حتى من الشعوب العربية، التي رأت في الكويت ملاذاً آمناً لها للعيش والعمل.

ولم يتوقف الأمر على الإطار المحلي، بل مارست الكويت دورها العربي والقومي في الدفاع عن القضايا المصيرية، من خلال سياسة متوازنة وسلسلة علاقات مميزة، ما جعلها تحتل مكانة رائدة.

أزمات كثيرة

على الرغم من كل تلك الجوانب الإيجابية، فإنه في المقابل كان هناك صراع مشتعل بين أطراف وأقطاب رفضت ما وفّره دستور 1962 من ضمانات وحقوق للمواطن الكويتي، لأنها رأت في ذلك انتقاصاً من مكانتها، وليس تعزيزاً لها، فذهبت باتجاه وأد التجربة الدستورية الوليدة، من خلال إيقاف الحياة البرلمانية، فزورت انتخابات 1967، ثم أقدمت على حلّ مجلس الأمة بطريقة غير دستورية في عامي 1976 و1986، وأتت بمجلس وطني غير شرعي عام 1990.

ثم جاءت محاولة السلطة لتنقيح الدستور عام 1980، وقامت بتعديل النظام الانتخابي أكثر من مرة، بما يسمح لها بالسيطرة على مخرجات العملية الانتخابية، والإتيان بنواب الخدمات ونواب موالين لها، باستخدام مختلف الوسائل، والتي يأتي في مقدمتها المال السياسي.

كما مارست نهجها الرافض للتطور الديمقراطي، من خلال ترسانة من القيود وفرض العديد من القوانين، التي من شأنها التضييق على الحريات العامة والخاصة.

واستمرت السلطة في تشويه صورة البرلمان أمام الشعب، حتى تفقد الثقة في هذه المؤسسة الدستورية، لتتوالى بعدها ما عُرف بفضائح التحويلات المليونية، التي طالت الشبهات فيها عدداً لا يُستهان به من نواب الأمة، وكذلك ما يتداول عن الرشى التي تقدَّم، يميناً وشمالاً، لشراء الولاءات والذمم، حتى تنهار مؤسسات الدولة بأكملها.

لقد مرَّت على الكويت العديد من الكوارث والمآسي، بدءاً من الأزمات الاقتصادية، والتي من أبرزها أزمة المناخ، وصولاً إلى ضياع الدولة في الثاني من أغسطس عام 1990، حيث كان غياب الرأي الشعبي والاستفراد بالسلطة أهم الأسباب التي أدَّت إلى ذلك، إضافة إلى مسببات أخرى.

الصراع مجدداً

واليوم أخذ الوضع يتفجَّر على كافة الأصعدة، وبرزت التناقضات في أداء السلطة، على خلفية صراع «الأقطاب» الذي بدا يظهر بصورته القبيحة، من خلال زج مكونات المجتمع الكويتي فيه، والعزف على الوتر الطائفي والقبلي والعائلي، في حين أن الاتجاه الثاني يذهب باتجاه إبعاد الشعب عن ممارسة دوريه الرقابي والتشريعي بشكل صحيح، ولعل هذه المرة تشتد خطورة الوضع عندما يكون القضاء طرفا مباشرا فيه، عندما وجهت بعض الأطراف شبهات تستدعي التحقق منها.

إن هذه المنعطفات التي مررنا ومازلنا تمس بصورة مباشرة أمن الوطن واستقراره، وتهدد بقاءه، كما أنها تمثل تحدياً كبيراً أمام الشعب الكويتي، بكافة أطيافه، حيث علينا أن نكون قادرين على حسمها، ووضع الأمور في نصابها الصحيح.

كما علينا التعاطي مع ما يحدث بروح من المسؤولية الوطنية، والتعامل معها بميزان العدل والإنصاف، لا بميزان المصالح الذاتية والخصومة.

لذا، علينا تهيئة الظروف وكافة السبل والأجواء الصحية لإعطاء مساحة نستطيع من خلالها تحقيق العدالة بقدر عالٍ من النزاهة والحيادية.

لقد أصبح من المستحق في هذه الفترة الصعبة التي تمر بها البلاد، أن ننتقل بها بصورة متطورة تحكمها المسؤوليات الوطنية نحو تفعيل الدستور وضرورة الالتزام بأحكامه، وهذا الأمر لن يكفي، ما لم تكن لدى السلطة قناعة تامة بأن الالتزام بهذا الدستور هو صمام الأمان الأول الذي يمنحها ويمنحنا الاستقرار، إضافة إلى ذلك أهمية أن تكون الحكومات الكويتية القادمة مبنية على قاعدة شعبية، وقائمة على الكفاءات الوطنية، من خلال التنسيق والتوافق مع مجلس أمة منبثق عن إرادة شعبية حقيقية، أن تكون تشكيلتها ليس وفق المحاصصة السياسية والاجتماعية، بقدر ما تكون مبنية على الرؤى والاستراتيجيات والخطط التنموية التي تعمل على تقدُّم البلاد.

كما لا يمكن إغفال أهمية أن تكون القوانين داعمة للنزاهة وسلامة الذمم وحماية المال العام، وتغيير الشكل النمطي للمجتمع الكويتي، بتحويله من مجتمع استهلاكي إلى مجتمع إنتاجي، من خلال الابتعاد عن النظام الريعي، الذي ثبت عجزه وفشله، وكذلك إقرار القوانين المنظمة والداعمة للحريات العامة والعمل السياسي.

شاهد أيضاً

دانة الراشد

دانة الراشد | كن لطيفا

اللطف صفة يستهين بها البعض ويستخف بها الكثيرون، فلا ندرك أثرها الكبير على الأنفس إلا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *