فلسفة اتخاذ القرار

كتبت: نوف الفرحان 

حين كنا صغارا، كنا نرى بالأفلام القديمة، حين تكون البطلة محتارة بين محبة خطيبها لها، تقطف زهرة من الحديقة، وتبدأ بتقطيع بتلاتها، وهي تردد: يحبني..! ما يحبني..! يحبني..! ما يحبني..! وهلم جرا إلى أن تصل إلى آخر بتلة وبالعبارة المتعلقة بها، تعرف حقيقة شعوره، أو تستبدل العبارة بــ: أتزوجه..! لا أتزوجه..! فتولي قرار زواجها إلى بتلات وردة.  كبرنا، وتعلمنا أن القرار مهارة، واتخاذه لا يرتبط مع بتلات وردة، أو عصا تقذف بالنهر، أو مجموعة من الخيارات نسحب منها خيارا يعتمد على القرعة والحظ والنصيب، بل تقوم على أسس علمية وتدريب على هذه المهارة، والتي تتم من خلال عدة خطوات. 

أبرز الخطوات التي أجمع على أهميتها  الباحثون والدراسات:

1- تحديد الهدف

 أي معرفة الشخص بالهدف الذي يرغب بالوصول إليه، سيسهل عليه كثيرا اتخاذ القرار بشأنه، أو حتى اتخاذ القرار بشأن الطرق المتبعة للوصول إليه. 

2- التأني

ينبغي على الشخص التأني عند إقدامه على اتخاذ قرار مهم، وأخذ الوقت اللازم لدراسة هذا القرار، وجمع المعلومات حوله، حيث يمكن الاستعانة بالمختصين، أو الكتب والشبكات العنكبوتية، و/ أو الاطلاع على تجارب الآخرين، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على اتخاذ القرار الأفضل في نهاية المطاف. 

3- مناقشة الخيارات

 يمكن إجراء حوار مع شخص موثوق أو شخص لرأيه قيمة كبيرة، أو شخص تعرّض لنفس الموقف، أو من يتصل بهم القرار، حيث يمكنهم تقديم وجهة نظر مغايرة لما يراه الشخص، أو من لديه معرفة حول الموضوع ليساعد على اتخاذ القرار، فطلب الاقتراحات، أو الآراء حول الخيارات المحتملة في الموضوع يساعد الشخص في مرحلة تقييمها لاختيار أفضل قرار. 

4- تقييم قبل اتخاذ القرار

هذا التقييم أولي، يكون قبل اتخاذ القرار لا بعد ظهور النتائج، فالتركيز على أخذ قرار معين يضيق من نطاق التفكير للشخص، بحيث يهتم بالنتائج المباشرة للقرار، ويتجاهل النتائج النهائية التي يرغب بتحقيقها أو يتوقعها، لذا يُنصح بتخصيص بعض الوقت عند محاولة تقرير أمر ما، والتفكير بالنتائج المتوقعة، وتقييم كل خيار، إلى جانب دراسة النتائج الإيجابية والسلبية المحتملة له، ومن ثم يمكن تخفيف حدة أو خطورة النتائج اللاحقة للقرار. 

5- التقبل والتدارك

 حين تكون فردا واحدا، تقبل ما فعلت وما قررت، تقبل النتائج، لأنها اختيارك الأفضل، وإذا شعرت أن هناك خطأ، يمكنك تداركه بسرعة للعودة إلى المسار المرسوم للوصول للهدف، أما إذا كنت قائدا ومعك مجموعة من الأشخاص، والقرار أنت من تتخذه، لكنه يعود على الجميع بالضرر أو المنفعة، هنا يجب إشراكهم بالأمر، وسماع وجهات نظر الجميع، وإطلاعهم على كل التفاصيل، فالديمقراطية لا تعني الأخذ برأي الأغلبية، بل الأخذ بكل الآراء، حتى يمكن أن يكون القرار سليما، وينال على رضا الجميع. 

 لكن مع الأسف وصلنا اليوم لنرى بعض القرارات الكبيرة والمهمة بحياتنا، يتم اتخاذها من خلال بتلات الورد: 

«حظر جزئي..! حظر كلي..! حظر جزئي..! حظر كلي..!» تم اعتماد خطة المراحل. 

«مسموح السفر..! ممنوع السفر..! مسموح السفر..! ممنوع السفر..!» تم السماح ثم الإغلاق، وبالأخير السماح فقط للمطعمين. 

«تعليم متزامن..! تعليم غير متزامن..! تعليم متزامن..! تعليم غير متزامن..!» تم تقسيم المراحل بحيث يكون لرياض الأطفال إلى الصف الثالث الابتدائي تعليم غير متزامنتسجيلوما علاهم من مراحل تعليم متزامن. 

«اختبارات ورقية..! اختبارات غير ورقية..! اختبارات ورقية..! اختبارات غير ورقية..!» وبالأخير اختبارات ورقية، رغم اعتراض الغالبية العظمى. 

«لقاح أوكسفورد ج1 = محصن..! لقاح أوكسفورد ج1 + لقاح فايزر ج2 = محصن ..! لقاح أوكسفورد ج1 + لقاح أوكسفورد ج2 (التي قالوا أنها عانت من سوء تخزين وبانتظار النتيجة) = محصن..!» وبالأخير وصلت رسائل التلقيح، قبل وصول النتيجة. 

«اعتماد لقاح جونسون..! سحب لقاح جونسون..! اعتماد لقاح جونسون..! سحب لقاح جونسون..!» وبالأخير تم اعتماده للطوارئ. 

«تسريح للعاملين أكبر من 60..! لا تسريح للعاملين أكبر من 60..!» بالأخير لا تسريح، والسبب غير واضح. 

تلك بعض القرارات التي صدرت في الآونة الأخيرة، التي قد تكون قامت على أسس سليمة، وقد تكون هي الأفضل حسب وجهة نظر القائمين عليها، وقد تكون قامت على نظرية بتلات الورد، وكل ذلك يرجع إلى سبب عدم الوضوح. 

إننا نحتاج في الكويت إلى شفافية أكثر خصوصا بالقرارات الصادرة، فهي قرارات شاملة للكل، بمنفعتها وضررها، وإن بدت أنها تصدر من شخص واحد، أو مجموعة من الأشخاص القريبين من المسؤول، لكنها في النهاية تمس الجميع. 

إن الاعتماد على مبدأ الشفافية، وعلى الوضوح، وإمكانية مشاركة الجميع بالقرار، ليس بالأمر الصعب، فاستبانة إلكترونية، وتحليل إلكتروني، تظهر النتائج بأقل وقت وأسرع مدة، والكل سيرضى كونه شارك بصناعة القرار. 

الوعي صار مرتفعا لدى نسبة كبيرة من الناس، فليس من السهل اقتناعهم بأي قرار دون وجود تبريرات وتوضيحات لأسباب هذا القرار، والنتائج المتوقعة منه، لذلك بات من الواجب على أي مسؤول أن يكون واضحا بقراره، فهو قرار للجميع، وليس شأن خاص.

قرار تربوي تعليمي

لو كان القرار بيدي، وكوني تربوية، لقمت بتغيير بعض الأمور والقرارات، فأطفال مرحلة الروضة والابتدائي، يمكن أن يتم تقسيم الفصل إلى مجموعتين، كل مجموعة تحضر إلى المدرسة في أيام تختلف عن المجموعة التالية، بحيث تتحقق الاشتراطات الصحية، كما يمكن الأخذ بآراء المعلمات والمديرات، وبالتأكيد سيقدمون اقتراحات رائعة، وفي وقت الحظر الكلي، التعليم يكون متزامنا لهاتين المرحلتين، مع توفير الكثير من الأنشطة، فالطفل يحتاج للحركة وتعلم المهارات أكثر من حاجته لتعلم المعلومات، فكلما تطورت مهاراته ساعدته على تطوير معارفه وتعلم كل جديد، على عكس التعليم غير المتزامن، الذي لم يلتزم به أولياء الأمور لعدة اعتبارات، كما أن أغلبها عبارة عن مواد تسجيلية ولفترة طويلة، لا يستطيع الطفل بهذا العمر متابعتها بصورة متواصلة، ولا يملك كل أولياء الأمور الخبرة الكافية بفسيولوجية نمو الطفل، وما هي الأمور التي يجب التركيز عليها. 

نوف الفرحان

شاهد أيضاً

إطارات السيارات

«مقبرة الإطارات» هل انتهت؟

أخيرا وبعد 17 عاما تراكمت فيها إطارات السيارات في الصحراء، مكونة إحدى أكبر المقابر للإطارات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *