
بعد سنة ونصف من الحصار الذي فرضته جائحة كورونا على العالم والكويت، ومع فتح دول العالم أبوابها للسياحة والسفر، بدأ الكويتيون في حزم حقائبهم والانتشار في دول العالم، طلبا للراحة والاستجمام، بعد طول «سجن» ومعاناة من تداعيات الجائحة، وجاء تصريح أحد المسؤولين المعنيين بأزمة الجائحة مشجعاً للسفر عندما قال للمواطنين بعبارة صريحة «سافروا واستناسوا» مشترطاً في ذلك الحصول على جرعتي التطعيم كسلاح يواجه به الكويتي أي هجوم للفيروس في المكان الذي سيسافر عليه، وكشرط مزدوج للكويت والدول المستضيفة.
ولا شك أن الكويتيين توّاقون للترويح عن النفس، وهو ما بدأنا نرصده، حيث حمل الكثيرون أمتعتهم مغادرين إلى بلاد العالم، للسياحة والترفيه، حيث يمتلك بعضهم عقارات وشققا في دول عدة، فيما الآخرون سيستمتعون في الفنادق والمنتجعات. ولكن هذا الوضع يفرض عدة تساؤلات:
أولاً، الدول التي رفعت الإغلاقات وفتحت أبوابها لاستقبال السياح، هدفها الأول استقدام الأموال مع السياح، بعد خسائر باهظة أولت بعضها إلى حافة الانهيار والإفلاس، ولم تتخذ أي إجراء على الرغم من عودة الإصابات بالسلالات المتحورة للفيروس بشكل كبير، وآخرها ما أعلن عنه وزير الصحة التركي يوم الثلاثاء الماضي عندما قال إن الإصابات بالفيروس المتحور «دلتا» تضاعفت ثلاث مرات في الأسبوع الأخير، والحال ينسحب على دول عدة، مثل فرنسا وإنجلترا وألمانيا وغيرها…
فهل لدى المواطنين الخبرة والدراية لحماية أنفسهم من الإصابة بالفيروس ومتحوراته، وهم سيختلطون بالمجتمع كاملا، من الفنادق إلى المطاعم إلى الأسواق؟
وماذا لو أصيب أي مواطن بالفيروس؟ ما الإجراءات التي يتبعها في مكان وجوده؟
فحسب علمي لم تكن هناك أي معلومات ولا تعليمات للمواطنين في هذا الشأن، وكل ما كان هناك أن الحكومة فتحت المطار وقالت للناس: سافروا!
ثانياً، ما سياسة الحكومة تجاه الأعداد الكبيرة التي سافرت؟ فهل لدى الجهات المعنية تصورات حول أعداد من سافروا وكيفية التعامل معهم عند العودة؟ وهل يكفي فحص «pcr» لعودة آمنة خالية من الفيروسات؟ وماذا عن الأطفال الذين سيكونون معفيين من الفحوص والتطعيمات؟ وماذا لو كشف الفحص عن إصابات عديدة لمواطنين في الخارج؟ كيف سيكون التعامل معهم؟ هل سنقوم بعملية إجلاء أخرى وفتح محاجر جديدة؟
هذه الأسئلة تطرح، وتبحث عن حلول، في ظل ما نتابعه من تطور مقلق لانتشار الفيروس وسلالاته في الكويت، ووصول الطاقة الاستيعابية لأجنحة «كوفيد 19» وغرف العناية المركزة إلى حدها الأقصى وعدم قدرتها على استقبال مريض جديد، وهذا أمر يهدد المنظومة الصحية في البلاد، ونحن نرى منظومات صحية عربية وعالمية قد انهارت، وخاصة أننا تابعنا بيان مجلس الوزراء بعد اجتماعه يوم الاثنين الماضي كيف سخّر مستشفيات وزارة الدفاع ومؤسسة البترول الكويتية لدعم المنظومة الصحة، وهو ما يعني أن هذه المنظومة تعاني وأصبحت مثقلة بالأعباء.
فهل نعيد النظر في التشجيع على السفر، للحفاظ على منظومتنا وأمننا الصحي؟ فالمواطن يمكن أن يتحمل عاماً آخر ضمن الحجر والبقاء في البلاد في سبيل أمن الكويت وسلامتها…
فقط ضعوهم في صورة الوضع وحقيقته وستجدونهم مبادرين.
في النهاية، يجب التنويه بأن السفر حق دستوري للمواطن لا يمنعه منه أحد، ولكن في المقابل يجب أن يكون للدولة دور محوري في التوعية بمخاطر السفر، واحتمالية الإصابة، ليكون المواطن الراغب في السفر على علم ودراية بما قد يواجهه في سفره، ولاسيما أنه في سفره سيقرر مصيره ومصير أسرته التي سترافقه.