
لقد برزت في المدة الأخيرة نماذج مهمة أدت إلى إغناء مفهوم «المراجعة» أو «إعادة النظر» في النهج المتبع من جانب الحكومات، أو من جانب قوى المجتمع المدني، أو القوى السياسية… يضاف إلى مراجعة الإنسان لنفسه لهذا السبب أو ذاك.
في الولايات المتحدة اعترف البيت الأبيض بضرورة مراجعة السياسات المتبعة إزاء توجهات السياسة الخارجية… وفي أوروبا قرر العديد من الحكومات إعادة النظر في سياساتها الأمنية و»الإجتماعية» في أعقاب التفجيرات الدامية من جهة، وموجة اللاجئين من جهة أخرى.
وفي العالم العربي اضطرت حكومات عديدة إلى إعادة النظر في سياساتها ونهجها، في ضوء التطورات والأحداث المتفجرة.
مفهوم المراجعة أو إعادة النظر لا يعني، بالضرورة، تراجعا أو اعترافا بالخطأ أو بالحسابات التي كانت قد اعتمدت.
مفهومها العام هو إيجاد قدرة على مواكبة المستجدات، وعلى تصحيح النهج والتطوير، والتدقيق وعدم الدوران في حلقة مفرغة.
من البديهي والمنطقي، في علم النفس، أن يتم التوقف في مسيرة الحياة، والالتفات إلى الخلف قليلاً، لتقييم مرحلة انتهت، ومراجعة المواقف التي حصلت، سواء على مستوى الفرد أو المؤسسة، أو حتى الدولة.
فهذه الوقفة، وذلك التقييم كفيلان بإجراء محاكمة داخلية وجردة حساب، وفق منطق الربح والخسارة، والبناء على هذا التقييم في المرحلة المقبلة، بما يتجاوز كبوة حصلت أو موقفاً لم يكن موفقاً، ففي ذلك يكون البناء الصحيح للخطوات المستقبلية التي تقوم على تصحيح المسار والبناء على اللبنات الصحيحة التي وضعت في المسيرة الماضية.
ومن هنا، فإن أمام الجميع، في وطننا، مجلس أمة وحكومة، الوقت في عطلة الصيف للمراجعة والتقييم، وجرد حسبة الربح والخسارة، في مفهوم العمل السياسي وهدفه الوطني، ووضع خطة مستقبلية تتجاوز عثرات الفترة الماضية وتبني على إنجازاتها، مع الحرص على البحث عن نقاط تفاهم بين السلطتين تكون محفزا لعمل قائم على التعاون والإنجاز لا المنافسة والتناحر الذي لم نجنِ منه سوى العناء.
بصورة عامة يمكن القول، أن هناك ظروفا متحركة تحتّم علينا إيجاد إطار ورؤية استراتيجية للمرحلة المقبلة، وأن تقوم كل القوى الحية بإجراء مراجعة حقيقية لنهجها وخطابها، ولطروحاتها، وإيثار سياسي، ونقد ذاتي وتقييم، حتى لا تتكرر إخفاقات الماضي. وليس الإلتفاف على المراجعة.
وهذا ما سيمكّن البلاد من تجاوز حالة المخاض السياسي، وخلق تعاقد اجتماعي جديد، وتحسين مناخ الثقة، وهو ما سيشكل خطوة بإتجاه التأهيل الصحيح للمشهد العام، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي الجاد، وتجسيده في برامج تنموية ووطنية.