
قديما كانوا يقولون «العلم في الصغر كالنقش على الحجر». كبرنا وتعلمنا وأصبحنا نعلّم غيرنا، ومازالت صورة معلمينا وهم يقفون أمام السبورة السوداء أو الخضراء وهم يحملون الطباشير وثيابهم تحوّلت إلى اللون الأبيض، وقد بحت حناجرهم وهم يشرحون ويعيدون ويراجعون ويتسابقون في ذكر الأمثلة والتدريبات.
وأذكر أنهم كانوا يتباهون بأنهم قد ملأوا السبورة بالمعلومات والأفكار والأمثلة، بحيث لم يعد هناك متسع لكلمة واحدة أو لرسم توضيحي واحد.
ونحن جالسون على المقاعد الخشبية مشدوهين بشرح المعلمين وكلنا آذان صاغية، ندون كل كلمة وكل حرف، ونعود إلى البيت لنسجل ونذاكر ونراجع تلك الكلمات، ومن كثرة ترديدنا لشرح المعلم نحفظ عباراته عن ظهر قلب وكأنها قصائد تردد على مسامعنا.
لكن هذه الصورة النمطية غدت صورة رجعية متخلفة متأخرة لا تواكب العصر ولا تتماشى مع الواقع المعاش.
من يصدق أنه بين ليلة وضحاها يتحول المعلم من ملقن إلى مدرب، وتتحول السبورة البيضاء إلى شاشة الحاسوب، وتتحول الدفاتر والكراسات إلى ملاحظات يدونها الطالب على حاسوبه، وغدت الطباعة على لوحة المفاتيح بديلا عن القلم.
وأخذ المعلم يظهر للطلاب عبر برنامج في الحاسوب اسمه برنامج «التيمز» أو «الزووم» وغيرهما من البرامج، وأصبح البيت أو غرفة النوم بديلا عن قاعة الفصل المقدسة ذات القدسية الفريدة.
من كان يتصور أن يحدث هذا لولا هذه الجائحة التي فرضت نفسها علينا، وأجبرتنا شئنا أو أبينا، على التعلم الالكتروني.فأخذ الجميع يتسابقون في اقتناء الأجهزة الحديثة، والجميع يتسابقون لتعلم البرامج والطرق في عرض الدرس.
بالطبع نجحنا في استحداث بدائل لحضور طلاب المدارس، لكن هذه البدائل لم ولن تغنينا عن المدرسة وتفاعل التلاميذ في الصف مع زملائهم ومعلميهم، وعن معرفة المستوى الحقيقي للطالب من خلال اختبارات حقيقية ومباشرة.
فالطالب المتفوق أصبح بعد أزمة كورونا طالبا متوسط المستوى، والطالب المتوسط أصبح ضعيفا، وكذلك الطالب الضعيف المستوى ازداد ضعفا على مستواه.
ترى أنشكر الجائحة على هذه النقلة الالكترونية أو الرقمية، أم نندب حظنا في التعليم.. ونترحم على التعليم؟!