في ذكرى الاستقلال: عبدالله السالم: بناء الوطن.. والعمل من أجل الرفعة والرفاهية والعدالة الاجتماعية

المغفور له الشيخ عبدالله السالم
المغفور له الشيخ عبدالله السالم

يتجدد اليوم السبت (19 يونيو) احتفال الكویت بذكرى استقلالها وقد أضحت محط أنظار العالم في دورها المحوري وسعیها الدؤوب في نزع فتیل الأزمات وحل القضایا العالقة إقلیمیا ودولیا، إضافة إلى ثقلها الكبیر في عملیات الإغاثة الإنسانیة، فلم یكن 19 یونیو 1961 یوما عادیا في حیاة أهل الكویت عندما تم توقیع وثیقة الاستقلال  وإلغاء اتفاقیة الحمایة مع حكومة بریطانیا، إذ مثل هذا الیوم انطلاقة رائدة في عمر الدولة، وتحولت إلى «درة الخلیج» بفضل قيادتها السياسية وتلاحم شعبها، فمثلت لحظة حاسمة في تاريخ البلاد ماضيا وحاضرا ومستقبلا.

ومنذ ذلك اليوم المشهود في تاريخ الكويت الذي ودعت فيه مرحلة ماضية بكل ما فيها من تاريخ طويل سطره الآباء والأجداد بكفاحهم المرير في سبيل العيش الكريم والذود عن حمى الوطن، دخلت الكويت مرحلة جديدة من تاريخها لتطل من خلاله على افق العالم المستقل لتساهم في صنع السلام وحضارة الانسان.

مع تسلم أمير البلاد الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، الحاكم الـ11 للكويت، مقاليد الحكم في الفترة من عام 1950 الى 1965 أخذ يعمل على السير بخطوات مدروسة نحو الاستقلال وإعلان الدستور، فقد أدرك أن اتفاقیة 23 ینایر 1899 التي وقعها الشیخ مبارك الصباح مع بریطانیا لحمایة الكویت من الأطماع الخارجیة لم تعد صالحة، بعد أن تغيرت ظروف إمارة الكويت التي سارت بخطوات واضحة في طريق الاستقلال وامتلاك الكثير من مقوماته.

ولم يعد شعب الكويت يقبل استمرار القيود التي فرضتها معاهدة الحماية.

بدأت خطوات عبدالله السالم تشق طريقها، إذ عمل على تحقیق الاستقلال وإعلان الدستور، خصوصا أن البلاد كانت في تلك الفترة مهیأة للتطور والنهضة في مختلف المجالات.

واعتبارا من عام 1959 سارت الكويت في وضع القوانين والأنظمة، مثل قانون الجنسية وقانون النقد الكويتي وقانون جوازات السفر وتنظيم الدوائر الحكومة، وكلها خطوات في طريق الاستقلال التام الذي كان الشيخ عبدالله السالم الصباح رحمه الله عازما على المضي فيه.

ولم تكن الكويت في تلك الفترة بعيدة عن التفاعل والمشاركات في العديد من النشاطات الاجتماعية والثقافية العربية ونشاطات جامعة الدول العربية، مثل الدورة الثالثة لحلقات الدراسات الاجتماعية للدول العربية التي عقدت في دمشق في ديسمبر عام 1952 وكذلك المعسكر الكشفي العربي.

كما أنشأت الكويت مكتبا لمقاطعة إسرائيل، بالاضافة الى مساهمات الكويت بالعديد من المؤتمرات الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بشؤون النفط.

ونالت الكویت عضویة العدید من المؤسسات الدولیة، منها المنظمة الاستشاریة البحریة والاتحاد الدولي للمواصلات السلكیة واللاسلكیة وبعد ذلك نالت عضویة الاتحاد البریدي العالمي ومنظمتي الصحة العالمیة والأغذیة والزراعة (فاو). وانضمت الكویت أیضا إلى منظمتي الأمم المتحدة للتعلیم والبحث العلمي والثقافة (یونسكو) والدول المصدرة للبترول (أوبك)، ولم تكن الكویت في ذلك الوقت بعیدة عن التفاعل والمشاركة في العدید من الأنشطة الاجتماعیة والثقافیة العربیة.

وكانت البلاد زاخرة بالعدید من الإدارات المنظمة جیدا والمهیأة على مستوى البنیة الهیكلیة لمزید من التوسع والتطویر كإدارات الأشغال العامة والصحة العامة والمطبوعات والنشر وأملاك الدولة المالیة، إضافة إلى المعارف والبلدیة والبرید والبرق والهاتف والكهرباء والماء والغاز والشؤون الاجتماعیة والأوقاف العامة والإذاعة والتلفزیون.

الاستقلال

رأى الشيخ عبدالله السالم أنه يجب الغاء المعاهدة، وأبدى بالفعل رغبته في استبدالها باتفاقية صداقة جديدة تواكب التطورات والمتغيرات بهذه المعاهدة.

وقبلت الحكومة البريطانية الطلب الكويتي، حيث أدركت صعوبة رفض هذا الطلب، وتم تبادل المذكرات بين المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي في ذلك الوقت السير ويليام لوس والأمير، وتم بموجبها إلغاء معاهدة 23 يناير 1899 باعتبارتها تتعارض مع سيادة الكويت واستقلالها، على ان تستمر العلاقات بين البلدين تسودها روح الصداقة الوثيقة.

وفي 19 یونیو 1961 أعلن الشیخ عبدالله السالم انتهاء معاهدة الحمایة البریطانیة بعد توقیع وثیقة استقلال البلاد مع المندوب السامي البریطاني السیر جورج میدلتن نیابة عن الحكومة البریطانیة.

كلمة عبدالله السالم في الاستقلال

عقب التوقیع وجه الشیخ عبدالله السالم كلمة للشعب الكویتي، قال فیها: 

«شعبي العزیز.. إخواني وأولادي.. في هذا الیوم الأغر من أیام وطننا المحبوب.. في هذا الیوم الذي ننتقل فیه من مرحلة إلى مرحلة أخرى.. ونطوي مع انبلاج صبحه صفحة من الماضي بكل ما تحمله وما انطوت علیه لنفتح صفحة

جدیدة تتمثل في هذه الاتفاقیة التي نالت بموجبها الكویت استقلالها التام وسیادتها الكاملة».

المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح يوقع على وثيقة استقلال الكويت في 19 يونيو 1961.
المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح يوقع على وثيقة استقلال الكويت في 19 يونيو 1961.

ما بعد الاستقلال

شهد عام الاستقلال صدور مرسوم أمیري بشأن العلم الكویتي، وهو أول علم یرفع بعد الاستقلال وتم تحدید شكله وألوانه وجاءت الخطوة التالیة عقب الاستقلال بتقدیم الكویت طلبا للانضمام لجامعة الدول العربیة وتم قبول عضویتها في 16 یولیو 1961.

وأعلن أمير البلاد الراحل الشيخ عبدالله السالم عن عزمه استكمال قيام المؤسسات الدستورية والحكومية في أقرب فرصة، وبالفعل لم يمض شهران على توقيع معاهدة الاستقلال حتى كانت الخطوة الأولى التي جاءت في 26 اغسطس عام 1961 بصدور مرسوم أميري بالدعوة إلى إجراء انتخابات عامة لمجلس تأسيسي يتولى عند تأليفه إعداد دستور دائم للبلاد.

وبعد إجراء انتخابات أعضاء المجلس التأسيسي، عقد أول جلساته في 20 يناير 1962، وخلال تسعة أشهر أنجز المجلس مشروع دستور دولة الكويت الذي تكون من 183 مادة وقدمه للأمير الذي صدق عليه وأصداره في 11 نوفمبر 1962 بهدف إقامة نظام حكم قائم على أسس واضحة ومتینة وإصدار دستور یستند إلى المبادئ الدیمقراطیة.

واتسم دستور الكویت بروح التطور التي تعطي للشعب الكویتي الحلول الدیمقراطیة للانطلاق في درب النهضة والتقدم والازدهار الذي مكن البلاد من انتهاج حیاة دیمقراطیة سلیمة مستمدة من دستورها المتكامل لتدخل البلاد مرحلة الشرعیة الدستوریة، إذ جرت أول انتخابات تشریعیة في 23 ینایر عام 1963.

وكان عهد الشیخ عبدالله السالم الذي امتد 15 عاما من السنوات البارزة في تاریخ الكویت، وأطلق علیه لقب «أبو الاستقلال» و«أبو الدستور» نظرا إلى جهوده المضنیة وتضحیاته وحكمته لنیل هذا الاستقلال.

إنجازات كبيرة

وكان استقلال الكويت بداية مرحلة جديدة لدخولها ضمن بلدان المجتمع الدولي وفق سياسة كويتية خاصة، أركانها السعي إلى السلام وتحقيق التعاون مع مختلف دول العالم ضمن إطار علاقات الأخوة والصداقة بين الدول والشعوب.

وشهدت السنوات التالية العدید من الإنجازات، فعلى الصعید الدبلوماسي جاءت الخطوة الأولى بإنشاء وزارة الخارجیة إذ صدر مرسوم أمیري في 19 أغسطس 1961 یقضي بإنشاء دائرة للخارجیة تختص دون غیرها بالقیام بالشؤون الخارجیة للدولة. ونص المرسوم في مادته الثانیة على دمج سكرتاریة حكومة الكویت بدائرة الخارجیة التي تحولت في أول تشكیل وزاري إلى وزارة الخارجیة، وبعد صدور مرسوم إنشاء الدائرة صدر مرسوم أمیري بتعیین أول رئیس للخارجیة عقب الاستقلال وهو الشیخ صباح السالم وذلك في عام 1961.

وفي عام 1962 عین الشیخ صباح السالم وزیرا للخارجیة في أول تشكیل وزاري وأعقبه الشیخ صباح الأحمد الجابر الصباح في التشكیل الوزاري الثاني عام 1963.

وقدمت الكويت بعد استقلالها طلبا إلى جامعة الدول العربية، فعقد مجلس الجامعة اجتماعا بتاريخ 16 يوليو عام 1961 وأصدر قرارا بقبول الكويت عضوا بها.

وعلى المستوى الدولي بدأ مجلس الأمن الدولي النظر في طلب الكویت الانضمام إلى منظمة الأمم المتحدة بعد استقلالها إلى أن نالت الكویت عضویتها في 14 مایو 1963، لتصبح العضو رقم 111.

الاحتفال الأول

بدأت الكویت احتفالها بالعید الوطني الأول في 19 یونیو عام 1962، وأقیم بهذه المناسبة حینها عرض عسكري كبیر في المطار القدیم الواقع قرب «دروازة البریعصي».

وفي ذلك الیوم ألقى الأمیر الراحل الشیخ عبدالله السالم الصباح كلمة قال فیها: 

«إن دولة الكویت تستقبل الذكرى الأولى لعیدها الوطني بقلوب ملؤها البهجة والحبور بما حقق الله لشعبها من عزة وكرامة ونفوس كلها عزیمة ومضي في السیر قدما في بناء هذا الوطن والعمل بروح وثابة بما یحقق لأبنائه الرفعة والرفاهیة والعدالة الاجتماعیة لجمیع المواطنین».

دمج العيد الوطني بعيد الجلوس

في عام 1963 صدر مرسوم بدمج العید الوطني بعید الجلوس، وهو ذكرى تسلم الشیخ عبدالله السالم مقالید الحكم في البلاد التي تصادف في 25 فبرایر من كل عام.

المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح يلقي خطاب استقلال دولة الكويت عام 1961.
المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح يلقي خطاب استقلال دولة الكويت عام 1961.

شاهد أيضاً

الذكرى الـ 21 لرحيل سامي المنيس

كتب علي حسين العوضي في عام 1996 كانت بدايتي في العمل الصحافي في جريدة السياسة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *