علي حسين العوضي | لا نريد تحويل الخدمات إلى سلع

علي حسين العوضي
علي حسين العوضي

لم يكد دور الانعقاد الماضي لمجلس الأمة أن ينتهي، وسط محاولات جادة من بعض الأطراف الوطنية للوصول إلى مبادرة معينة يُتفق عليها لتهدئة الوضع السياسي العام المأزوم بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، حتى تفجر الوضع مجددا بمجموعة من القضايا، بعضها أشغل الشارع وتفاعل معها الجميع، مثلما حدث مع الناشط والشاعر جمال الساير، في حين مر البعض منها دون ردة فعل إلا من القلة، ونقصد بها تحديدا التصريحات الصحافية التي أطلقها عضو المجلس الأعلى للتخطيط المشرف على برنامج خصخصة الخدمات، الذي تتضمنه الخطة الإنمائية الثالثة للدولة، علي رشيد البدر في جريدة الجريدة (الاثنين 5 يوليو 2021) التي أشارت بوضوح تام للتوجه الحكومي نحو خصخصة قطاعات التعليم والصحة والكهرباء، على أن تكون الحكومة جهة رقابية على تقديم هذه الخدمات التي سيقوم القطاع الخاص بتقديمها.

وبحسب ما نشرته «الجريدة»، فإن هذا البرنامج والتوجه «يهدف إلى رفع مستويات الإنتاجية الاقتصادية عبر الإرتقاء التكنولوجي، والتأكيد على تعزيز التنويع الاقتصادي وتشجيع برامج البحث والتطوير، وتعزيز جودة المنتجات والخدمات، واعتماد سياسات عادلة مرتبطة بالمالية العامة، وبالأجور وبالحماية الاجتماعية، والقضاء على الممارسات التمييزية وضمان تكافؤ الفرص للجميع».

بالتأكيد هذا المنحى سيكون مفرحا للبعض الذي دائما ما يستفيد من السخاء الحكومي على حساب الأكثرية التي تطالب بتطوير الخدمات الحكومية وليس بيعها.

وما يؤلم أن المبررات المطروحة لتخصيص خدمات هذه القطاعات، وغيرها التي تبشر الحكومة بأنها ستكون جهة رقابية عليها، هي نفسها من ترفض الرقابة البرلمانية على أعمالها! كما أن هذه المبررات التي يتم ترويجها يجب أن تكون دافعا حقيقيا أن تعمل الحكومة من أجله للتخلص منها وتلافيها، عبر تطوير أسلوب وطريقة إدارتها.

ومن بين الدوافع الأخرى، التي تثير أكثر من علامة استفهام، في اتجاه الحكومة نحو خصخصة هذه القطاع تلك التي أشار إليها علي البدر بالقول: أن «تطبيق الخصخصة سيخفف الاحتقان السياسي والاستجوابات بين المجلس والحكومة إلى أكثر من 70 في المئة لأن الخدمات التي تتسبب حاليا في الصراع السياسي ستكون بيد القطاع الخاص».

وهنا من حقنا أن نتساءل: هل كل مشروع استجواب لوزير في وزارة تقدم خدمات سيتم تخصيصها وفقا لهذا الطرح؟ وهل يعني ذلك أن القطاع الخاص سيكون بعيدا عن الرقابة البرلمانية؟ ما يعني أن القطاع الخاص ليس سلطان عليه وفق هذا المنظور.

والسؤال المهم أيضا في هذا السياق: ما المقصود بالتنويع الاقتصادي في هذه الحالة؟

إذا كانت الحكومة تعاني من أزمة من ميزانيتها العامة فهذا الأمر لا يمكن أن يكون دافعا لعمليات خصخصة القطاع العام، بل يجب أن يكون دافعا نحو «الإصلاح الاقتصادي العادل اجتماعيا» كما أشارت له الحركة التقدمية الكويتية في بيان لها، من خلال «فرض ضرائب على أرباح الشركات، وضرائب تصاعدية على الدخول الكبيرة، ووقف الهدر والتنفيع ومكافحة الفساد في قطاعات الدولة، ووضع ضوابط تحد من المبالغة في تسعير المناقصات والمشتريات الحكومية، وضبط الأوامر التغييرية، وتغيير نظام تأجير أملاك الدولة في القسائم الصناعية والخدمية التي جرى تقسيمها وإعادة تأجيرها بحيث تكون القيمة الايجارية المدفوعة للدولة بنسبة جدية من القيمة الايجارية، وزيادة ايجارات الشاليهات بما يتناسب مع قيمتها السوقية والايجارية، وإلزام القطاع الخاص بتشغيل العمالة الوطنية».

لا نريد اليوم أن تتحول الخدمات التي تقدمها الحكومة إلى سلع تثقل كاهل المواطن، والتبشير بأن عمليات الخصخصة ستفتح المجال وتوفر آلاف الوظائف للكويتيين من الممكن الرد عليه أنه يمكن مراجعة عمليات التوظيف في بعض التجارب التي تم خصخصتها في أوقات سابقة أو في مجالات أخرى في القطاع الخاص لنتعرف على وضع العمالة الكويتية فيها من تسريح وغيره.

شاهد أيضاً

نوف الفرحان

نوف الفرحان | «حمار» فوق السطح!

اشترى رجل في أحد الأيام حمارا، كانت هي المرة الأولى التي يشتري بها حمارا، ومن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *