مسعود أحمد بيت سعيد | الوحدة العربية وضرورتها

مسعود أحمد بيت سعيد - كاتب من سلطنة عمان
مسعود أحمد بيت سعيد
كاتب من سلطنة عمان

في سنة 1958 قامت الوحدة  بين مصر وسوريا «الجمهورية العربية المتحدة» التي استمرت إلى سنة 1961، وحينها أدركت القوى المعادية للأمة العربية قيمة وأهمية تلك الوحدة وخصوصا فيما يتعلق بالنضال الوطني التحرري العربي وما يمكن أن يشكله من خطورة على مصالحها الاستراتيجية.

لقد استنفرت الإمبريالية والصهيونية والرجعية، واعتبرت مهمة  للقضاء عليها أولوية الأولويات، وقد تقاطعت بعض  القوى التقدمية العربية مع تلك المخططات تحت عناوين مختلفة، ومنها ما قد يكون صحيحا، ولكن ما هو خاطئ عدم إدراك قيمة وأهمية تلك الوحدة والظروف التي أوجدتها والالتفاف الشعبي الواسع حول قيادة جمال عبدالناصر ومكانته التاريخية، ورسالته المعبرة في جوهرها ومضمونها عن الوجدان الشعبي العربي من المحيط إلى الخليج.

لقد كان التقاطع مع مشاريع الأعداء خطيئة كبرى بصرف النظر عن بعض الأخطاء التي  حدثت ويمكن أن تحدث في كل إنجاز عظيم، فالبشر ليسوا منزهون عن الأخطاء، وكان ممكن دعمها وحمايتها وتصويبها. للأسف هذا لم يحصل، وخسرت الأمة العربية أول وحدة في التاريخ الحديث.

كان شعار «الوحدة العربية» أحد عناوين تلك المرحلة المجيدة، وكان حلم من أحلام الجماهير العربية، ولايزال، رغم ما تعرض له هذا الشعار من محاولات التشوية والتشكيك، واعتباره من المثاليات غير القابلة للتحقيق.

هجمة جديدة مستمرة

لقد أدرك أعداء الأمة العربية أن الوحدة من أكبر وأهم عناصر القوة لهذه الأمة وطريقها للخلاص الوطني الشامل، لذلك عملوا بكل الوسائل والأساليب  لضرب فكرة الوحدة والشعور والانتماء القومي نحو تكريس القطرية ومشتقاتها المذهبية والطائفية، وكل ما يخدم هدف تعميق الانقسامات، مستندين إلى تحالف طبقي برجوازي كمبرادوري، ونظم رجعية متخلفة اقترن وجودها بتحالف ودعم القوى الاستعمارية والإمبريالية وحمايتها.

في هذه المرحلة التاريخية الصعبة، التي تجتازها الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، وفي ظل الهجمة الإمبريالية والصهيونية الشرسة لإعادة المنطقة إلى مرحلة الاستعمار المباشر وتقسيمها من جديد وفق قاعدة تأمين مصالحها لأطول مدى ممكن، وإدغام الكيان الصهيوني بشكل قسري كأمر واقع، مستغلة الظروف الموضوعية المواتية تماما، لتنفيذ هذه المخططات بعد تدمير معظم البلدان العربية تحت شعارات مضللة.

وبعد فشل النظام العربي الرسمي في معركة السيادة الوطنية والتنمية والديمقراطية والعدالة والتقدم الإجتماعي، وبعد فشل المشروع القطري واستنفاذ كافة  أغراضه، وفي ظل أزمة وانتكاسة مشروع التحرر الوطني، أصبح من الواضح أن الأزمة بنيوية شاملة، وتطال الجميع، نظم وقوى سياسية واجتماعية، الأمر الذي يتطلب جهدا مضاعفا للخروج من هذا المأزق التاريخي، ،وبناء إطارات جديدة تفتح آفاق الأمل أمام الجماهير العربية في الخلاص من الاستعمار والبؤس والاستعباد والاضطهاد الطبقي والقومي، وإعادة الاعتبار للمشروع القومي التقدمي الوحدوي انطلاقا من الواقع الموضوعي الراهن وما ولده خلال الفترة الماضية من خلافات وانقسامات وترسبات فكرية ونفسية ومعوقات عملية في غاية الصعوبة.

ليست مستحيلة

إن الإرث التاريخي الذي خلقه نظام «سايكسبيكو» المرتبط بالرأسمالية العالمية كبير وخطير، ولم تعد إمكانية الخروج منه عملية سهلة، أو يمكن تحقيقها بيسر، «حيث أصبحت هناك قوى طبقية كبرى تجد مصلحتها في استمرار هذه الأوضاع وتدافع عنها بكل قوه»، ولكنها بالطبع ليست مهمة مستحيلة،  الأمر الذي يفرض معالجات جديدة ورؤى جديدة وقوى سياسيه جديدة، فمعظم القوى والأحزاب العربية قد شاخت، وما لم  تجري عملية تغيير شامل في بناها وبرامجها وطرائق عملها بشكل جذري، فقد تتجاوزها الأحداث.

إن على الجماهير العربية والقوى التقدمية المؤمنة بالمشروع التحرري الوحدوي وضع التاريخ أمامها، فهناك مهمات وتحديات كبرى في هذه اللحظة للتصدي للمشروع الإمبريالي والصهيوني والرجعي، من أجل العمل لتوحيد الكتلة التاريخية القادرة على حمل هذا المشروع النبيل عبر إطار قوميتقدمي جديد، بعدما ثبت بالملموس فشل كل المشاريع البديلة المطروحة، ومعظمها على تماس مباشر مع المشاريع المعادية التي تحكيها الدوائر الاستعمارية وأدواتها المحلية علنا لضرب الشعور والانتماء القومي، وتكريس ثقافة قطرية ومذهبية وطائفية، وإيجاد المؤسسات الساعية  لتحقيقها.

قد تبدو مثل هذه الرؤى من الأحلام  الرومانسية في ظل المعطيات الراهنة، ولكن السؤال: هل هناك بديل آخر أمام الجماهير العربية؟

إن ما يوحدنا كبير وواسع، والوحدة أقوى عناصر القوة، وكل من أراد السيطرة على هذه الأمة ونهب ثرواتها وسلب إرادتها قد عمل على ضرب هذا الهدف، وليس في هذا القول جديد.

الجماهير العربية اليوم تجري مقارنة بين تللك المرحلة التي كان شعار التحرر الوطني والوحدة العربية محور نضالها، وبين المرحلة الراهنة التي تُجيش الجماهير العربية ضد بعضها

في سوريا وليبيا واليمن ولبنان والعراق، وغيرها، بُفتح أبواب الجهاد والقتال خدمة للمشاريع الإمبريالية والصهيونية، بينما فلسطين كلها بقدسها ومدنها وقراها محتلة منذ سبعين عاما، وكذلك أجزاء من الوطن العربي محتلة  ولا نسمع من يدعو إلى نصرتها وتحريرها من قبل هذه القوى التي وهبت نفسها لخدمة أعداء الأمة العربية، وبالتأكيد ليس هناك من يراهن عليها، فهي قد اختارت طريق تنفيذ الأجندة المعادية للأماني العربية.

كلمة أخيرة

لم يعد حلم تحقيق الوحدة العربية مناط ببعض النظم التي عملت طيلة الخمسين عاما الماضية على تدمير الشعوب وتركيعها وإذلاها، وتحويلها إلى أقنان لخدمة المؤسسات  والهياكل التي وجدت لتدميرها، بل هي مهمة الجماهير العربية وقواها الطليعية، وهي قادرة على تحقيق  كل أهدافها في التحرر والاستقلال والوحدة والاشتراكية.

شاهد أيضاً

دانة الراشد

دانة الراشد | كن لطيفا

اللطف صفة يستهين بها البعض ويستخف بها الكثيرون، فلا ندرك أثرها الكبير على الأنفس إلا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *