
كاتب من سلطنة عمان
شغل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان العالم خلال الأيام الماضية ولايزال .. ولم تبقى وسيلة إعلامية لم تتناول هذا الموضوع ، وقد اشبع هذا الحدث بحثا وتحليلا . وان كانت معظم تلك التحليلات لم تلامس جوهر و ابعاد المخطط الأمريكي بشكل دقيق . ويخطي من يعتقد بأن الانسحاب الأمريكي مجرد صحوة ضمير أو انتصار بالمعنى المتعارف عليه في حروب التحرر الوطني . .وإذا كان هناك شبه اجماع في صحافة الشرق الاوسط على الهزيمة الأمريكية . فإن الأمر لا يزال بحاجه الى الاستجلاء، واستشراف ابعاد هذا الإنسحاب . لابأس من توصيف ما جرى بالهزيمة الأمريكية وتوظيفه إعلاميا ، هذا أمر جيد بل وضروري ولكن علينا الا نقع ضحية الخدعة والتضليل ألامريكي . لذا من المهم معرفة حقيقة القوة المنتصرة وموقعها في خارطة الصراع الإقليمي والدولي. وهو ما ستكشفه الأيام . ان المتابع للتصريحات الصينية والروسية يلمس الحذر والقلق الشديد . بينما الأمر بخلاف ذلك بالنسبة لحلفاء امريكا الأوربيين والإقليمين الذين يعيشوا تناقض « النشوة والذعر « في الوقت نفسه مما اربك الكثير .خاصة ان الكثير من خصوم الولايات المتحدة الأمريكية على امتداد العالم قد هللوا لما أسموه بالانتصار والسؤال الذي يطرح نفسه هل فعلا الانسحاب الأمريكي يشكل نصرا استراتيجيا يمكن البناء عليه ام مجرد تكتيك أمريكي لمواجهة قادمة انطلاقا من أفغانستان ؟
ليس هناك شك بأن العالم كله تفاصيل بالنسبه للولايات المتحدة الأمريكية باستثناء الصين وروسيا وهذا الأمر أصبح حقيقة لا يمكن تجاهلها. ان الصراع الأمريكي _ الصيني الروسي واحتمالاته باعتباره المظهر الأساسي للصراع الاستراتيجي العالمي والذي ستخضع له كل أشكال المواجهة القادمة ربما يكون الدافع الرئيسي وراء عملية الإنسحاب . حيث ان بعض بنود اتفاقية الدوحة بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان مازالت طي الكتمان بحسب معظم المراقبين. وبالتالي كيفية مواجهة الصين وروسيا في المرحلة المقبلة هي جوهر ومضمون الإستراتيجية الأمريكية . ماهي أدواتها ووسائلها ، وبلغة أخرى ماهي النقطة الأكثر مقدرة على استدراج خصومها الحقيقيين والحاق بهما الهزيمة ؟ قيل وسيقال الكثير .. ويدعي البعض صراع مكشوف مع أمريكا لتعزيز مواقع داخلية او لتبييض صفحه سوداء .وباعتقادي فإن امريكا واستنادا لتجربة تاريخية مازالت قادرة على احتواء الكثير من تلك القوى التي ترفع بين الحين والآخر شعارات معادية لها ، تحت عناوين مختلفة وان معظم تلك الأطراف لاتزال ترتبط جوهريا بالمشروع الرأسمالي العالمي مما يفسح في المجال لتقاطعات ومصالح كبرى ، واسلحة الإمبريالية الأمريكية متنوعة ويجب عدم التقليل منها مطلقا . لكن يبدو أن قضية المسلمين وحقوقهم من اهم القضايا التي يمكن استخدامها واستثمارها في الصراع القادم الأمر الذي سيفكك بيسر الجبهة المعادية للولايات المتحدة . وآسيا الوسطى أحد تلك الساحات وخاصة طاجكستان وكذلك منطقة شينيجيانج الصينية والتي لا تبعد سوى قرابة الثمانين كيلو ، أحد الرهانات الأمريكية المربحة . هل الانسحاب الأمريكي بهذا الإتجاة ام لا ؟ ..يبدو ان السيناريو المطروح أمريكيا ، هو تمكين طالبان باعتبارها أكثر القوى الأفغانية مقدرة على تنفيذ هذا المخطط بصرف النظر عن التصريحات الإعلامية التي صدرتها للخارج ..الغريب في الأمر استبعاد هذه الاحتمالات واخذ تصريحاتها محمل الجد في محاولة خطيرة لتغييب الوعي وما أفرزته التجارب من دروس . و ما يزيد الامر مرارة ذلك الانسياق من قبل البعض الذي يفترض استيعابهم المناورات الأمريكية . تملك للولايات المتحدة الأمريكية تجربه ناجحة جدا في استخدام الجانب العقائدي وسيلة لهزيمة أعدائها ..ان تكرار سيناريو والحرب الجهادية انطلاقا من أفغانستان ، يبقى احتمال قائم .. والسؤال الأكثر أهمية ماهو موقف القوى الإقليمية في الشرق الأوسط في حال نفذ هذا المخطط « لو فرضنا جدلا استتباب حكم طالبان « هل سيعتبر ذلك الصراع قضية جهادية كما جراء سابقا ام ان التجربة قد حسمت تلك الخيارات ..ان استدراج الصين وروسيا من خلال أفغانستان بالتأكيد حاضر باستمرار في ذهن القيادة الأمريكية وحتى تعطي نفسها مساحة للحشد والتعبئيه تم الإنسحاب ..بالطبع الصين وروسيا ستعملان بكل السبل لتجنب المواجهة .لكن طبيعة الصراع مفتوحة على كل الاحتمالات . وإذا كان هذا أحد أهم السيناريوهات الأمريكية اين نضع مايجري في أفغانستان هل هو انتصار ام الاستعداد لحرب قادمة .