مسعود أحمد بيت سعيد | هل سقط المشروع الإخواني؟

مسعود أحمد بيت سعيد - كاتب من سلطنة عمان
مسعود أحمد بيت سعيد
كاتب من سلطنة عمان

بعد الإجراءات الأخيرة التي أقدم عليها الرئيس التونسي قيس سعيد بحل البرلمان، وغيرها من الإجراءات المعروفة، وما لاقته من تأييد داخلي وخارجي، وبصرف النظر عن دستورية تلك الخطوات من عدمها، فقد ساد انطباع واسع  في صفوف الجماهير العربية بالسقوط النهائي للمشروع الإخواني الرجعي، باعتبار تونس آخر معاقلهم الرئيسية.

وليس بخاف على أحد بدء أفول نجم الإسلام السياسي التدريجي منذ الانتفاضة الشعبية الثانية في مصر ناهيك عن الهزائم والانتكاسات المتتالية في عدة مواقع. كل هذه المؤشرات بلا شك توحي باحتضار مشروعهم السياسي.

لكننا نعتقد بأن الوقت مازال  مبكرا للاستنتاج بالسقوط النهائي، فالصراع طويل ومرير ولن يكون سهلا وتكاليفه باهظة مع جماعة منظمة و«مسلحة» تستخدم الدين وسيلة للوصول إلى أهداف سياسية. وليس أدل على ذلك إلا بيان ما يسمى «هيئة علماء المسلمين»، الذي هو تحت سيطرة الإخوان، حيث اعتبرت تلك الإجراءات اعتداء على العقد الاجتماعي وهو محرم، وأن حماية العقد الاجتماعي فريضة شرعية.. الخ.

كان بالإمكان رفض هذه الخطوة سياسيا دون إقحام الدين في الصراع السياسي، وطالما لم يحسم النظام العربي الرسمي موقفه بعد بشكل واضح من الإمبريالية الأمريكية والحركة الصهيونية، وهو أمر مستبعد في ظل تكوينه الطبقي الراهن، وطالما لم تتحرر بعض القوى الوطنية والتقدمية العربية من بقايا الأوهام الساذجة بإمكانية مواجهة الإمبريالية والصهيونية والتحول الديمقراطي بالجبهة الموحدة مع التيارات الدينية ذات الارتباط الاستراتيجي المشبوه بالدوائر المعادية لمشروع الاستقلال الوطني الشامل، وبعد إجهاض الربيع العربي بدأت محاولات التقارب بين التيار القومي والديني وطي صفحة الماضي، الذي سعى إليه بعض القوميين مخلصا من على قاعدة توسيع الجبهة الوطنية العريضة في مجابهة التحديات الكبرى التي تواجه أمتنا العربية التي انقلب عليها الاخوان منذ أول أيام استلامهم السلطة في مصر.

التجربة علمت وتعلم الجميع باستمرار، وهي قادرة على تصويب كل انحراف عملي وفكري واختبار كل المواقف  وتعريتها، وكشف ما يكتنفها من غموض مهما حاول مدعيها إخفائها وسترها بظلال الأكاذيب والتدليس، وسيظل الوضع العربي يراوح مكانة في ظل «الميوعة» الفكرية والسياسية، ولن يكون هناك أفق للنصر والتقدم في المدى المنظور رغم توفر إمكانيته منذ زمن طويل إلا بوضوح الرؤية.. وهو ما ينقص بعض القوى التقدمية العربية حتى اللحظة الراهنة، رغم التضحيات والإرث النضالي الكبير.

منذ بدايات الاستقلال الوطني من الاستعمار الأوروبي وصعود المد القومي، كان الإخوان ومشتقاتهم أداة من أدوات  الإمبريالية الأمريكية في المحيط العربي والإسلامي، وخاضوا حروبا كبرى في خدمة الإمبريالية الأمريكيةالأوروبية  بالتحالف مع الأنظمة الرجعية العربية، وكانت ساحات صراعهم بعيدة عن الهموم الوطنية والقومية، ولاتزال قبلتهم غربية، ومساهمتهم كبيرة  في نشر ثقافة الجهل والتضليل والإرهاب الفكري، وحرف البوصلة الوطنية والقومية، وهدر طاقات الأمة العربية.

«أينما حلوا حل التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتقسيم البشر والأوطان»، فقد توفرت لهم الأموال والرعاية والحماية بل وضغطت  الولايات المتحدة بشكل مباشر على بعض الأنظمة الموالية  لتسهيل مهمتهم في السيطرة على الكثير من مؤسسات المجتمع وأدغامهم قسرا في وهياكل الدول كاحتياط بديل عند الضرورة، وهم جزء من طبقة تسيطر على كل المفاصل الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها طيلة المرحلة السابقة، وليس في مفاهيمهم أو رؤيتهم أي مكان لمفردات السيادة الوطنية والثورة والتغيير والديمقراطية وحقوق المرأة. هذه المفاهيم غريبة عن تربيتهم الفكرية والسياسية، فلا تتضمن أدبياتهم ما يشير إلى ذلك لا من قريب أو بعيد، ولا مكان لها في قاموسهم مطلقا، بل جهادهم ارتكز تاريخيا بالضد منها، ولا يعنيهم يوما الاستعمار والصهيونية والاستغلال والاضطهاد والحرية والفقراء والعدالة الاجتماعية وغيرها من العناوين والهموم. لقد كانوا حلفاء تاريخيين للإمبريالية العالمية.

وعلى كل الأحول فإن «الحلف المقدس مع الإمبريالية الأمريكية هو الثابت الوحيد بالنسبة لهم، وما دون ذلك كل شئ قابل للتغيير. وقد أشارت الدكتورة سعاد المعجل لتلك العلاقة بشكل ذكي وبما يتطلبه لزوم الاستدلال في مقالين رائعين في جريدة القبــس، الأول بعنوان «أتاتوك والإخوان» – 6 يونيو، والثاني «ثورة في وجه الإخوان المسلمين» بتاريخ 1 أغسطس 2021م.

يستنكف الإخوان عن تقديم برنامج سياسي، ويرفعوا شعارات أخرى، وشعارهم الرئيسي «الحاكمية لله»، في محاولة الإفلات من النقد والتقويم والمحاسبة. والآخر بالنسبة لهم «جاهلي» يجب تربيته وتأهيله من جديد، أو بحسب دستورهم «معالم في الطريق لسيد قطب».

هذا النوع من التفكير خطير جدا، ولا يعطي مجالا للحوار والاختلاف، حيث عرف عنهم  المكوث بالتفاهمات الوطنية والسياسية، أما قوتهم ونفوذهم بصرف النظر عن  أية تحالفات أخرى يكمن في ضعف القوى الوطنية القومية واليسارية التقدمية. 

في الستينيات و السبعينيات من القرن العشرين كان صوتهم خافتاو بل شبة معدوما رغم الدعم والتمويل والحماية  والرغبة المتوفرة دائما لمحاربة القوى التقدمية، وإذا كان العمل السياسي قائما على استغلال الأخطاء والثغرات وتوظيفها للمصالح الخاصة، فإن بعض التقديرات الخاطئة التي مازالت مستمرة إلى اليوم تمنحهم الاستمرارية، حيث تم التعاطي معهم بالمفرد وتجزئتهم والتفريق بينهم بحسب ساحات تواجدهم،كل هذا قد أعطاءهم مجالا واسعا للمناورة واللعب على التناقضات، والتنصل من إخفاقات بعضهم بسهولة.

إن المهمة الرئيسية في اللحظة الراهنة ليس التحالف مع الإخوان أو التشفي، فهم مكون من مكونات هذه الأمة، بل تشكيل جبهة وطنية واسعة في كل قطر عربي عن طريق تشكيل جبهة قومية عريضة من كل القوى والأحزاب والشخصيات، وتسخير الإمكانات المادية والإعلامية والتنظيمية والفكرية وتقويتها ببرنامج نضالي ملتزم بأهداف الأمة العربية في التحرر والتقدم الإجتماعي والوحدة العربية، وفي صلب مهماتها الدولة العلمانية وفصل الدين عن السياسة، ومقاومة الحركة الصهيونية بكل الأشكال والوسائل.نحو بناء قاعدة جماهيرية واسعة، ولجم الاتجاهات والتيارات  اليمينية المتطرفة سواء برجوازية يمينية علمانية أو برجوازية يمينية دينية.

أما ماهو حاصل الآن فلن يقدم النضال الوطني خطوة واحدة إلى الأمام، ونتيجته الحتمية هو استغلال الإمكانات الفكرية والسياسية والإعلامية التقدمية الكبيرة في خدمة مشاريع الإسلام السياسي كما حدث في الماضي القريب، حيث استنزفت الأقلام والأفكار والطاقات في الدفاع والتبرير عنهم تحت  شعارات مختلفة، كان الأجدر أن تكون القوى التقدمية هي طليعة المواجهة وليس كمبارس للإسلام السياسي، ولا نذيع سرا إذا قلنا بأن من «سوّق الاسلام السياسي» هم التقدميون العرب الذين يملاؤن صفحات الجرائد والقنوات الفضائية في الترويج لهم بشتى الحج، بينما موقف الإسلام السياسي لم يتزحزح قيد أنملة،  حيث عداؤهم التاريخي حيال القوى التقدمية يزداد رسوخا.

شاهد أيضاً

دانة الراشد

دانة الراشد | كن لطيفا

اللطف صفة يستهين بها البعض ويستخف بها الكثيرون، فلا ندرك أثرها الكبير على الأنفس إلا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *