لم يكن يوما التفكير بأن التربية على حقوق الإنسان نوع من أنواع التنظير أو الاستشراف، أو حتى الرفاهية، بل كانت، ولاتزال، حاجة ماسة لتقويم المجتمع أخلاقيا، وتثقيفه بهذا الشأن بشكل أكبر.
ويرجع ذلك ببساطة لأن التربية على حقوق الإنسان يعتبر الخطوة الأولى الحقيقية لتعلّم وتعليم التعايش وعدم التمييز والوعي الديمقراطي الحر المنشود بين كل أفراد المجتمع.
فالتربية على حقوق الإنسان يجب تبدأ مبكرا من الأسرة عبر سلسلة تراتبية من القيم الأخلاقية والإنسانية، منطلقة من الوالدين مباشرة، ويتم غرسها في الطفل، وسنجد نتائجها في اكتساب سلوكيات مهمة، منها: الأمانة والاجتهاد والإخلاص.. إلخ، ومنها أيضا ما ينمو مع الطفل بالفطرة السليمة، مثل كافة الاطفال، وأهمها: الصدق والعدل وغيرهما.
ويساعد هذا الأمر في تقدير الأطفال والأبناء بشكل عام لهذه القيم، وما تؤدي إليه من سلوكيات، كما تتيح هذه القيم وضوحا للأطفال في اختيار تصرفاتهم واتخاذهم للقرارات، فعندما يمرر الآباء هذه القيم لأبنائهم سيكون من السهل عليهم معرفة «الحق و«الأحق»، وما هو مقبول أو غير مقبول إنسانيا. كقبول الاختلاف والتعايش التوافقي بين كل المختلفين، ونبذ العنصرية، والأهم من ذلك بناء مجتمعهم الصغير الذي سيكبر مع الزمن.
ونؤكد هنا بأن أساس أي بناء أخلاقي توعوي إنساني ،هي دائرة الإنسان الأولى، ونعني الأسرة والعائلة، فيبدأ الطفل بالتطبيق واكتشاف «الحرية» كفكر يتعلّم من خلاله حقه في القبول والاعتراض في بيئة صحية اجتماعيا، ويمنح الفرص ليتعلم ويكتشف بعض الحقائق بنفسه، ويكتشف أيضا منظومة الحقوق والواجبات، ليتعلم تدريجيا.
حاجة ملحة
إن المسؤولية بين الأكبر والأصغر تبدأ بالرعاية والاحتواء، والعناية بالفكر ونمو العقل لا يقلان مساواة عن الحاجة للعناية بالاحتياجات الأساسية الأخرى، صحيا وبدنيا وغيرهما، بل قد تكون من أهم الأمور التي يحتاجها حتى يخرج لاحقا عن بيئته الأم، ويختلط بأفراد مختلفين عنه ومنتمين لذات المجتمع الأكبر، الذي يضمهم جميعا كشركاء فيه، ويبدأ أولى خطواته نحو التعايش الحقيقي وفهم وإدراك لمعاني «الديمقراطية» أيا كانت ردود الأفعال من قبله أو من غيره.
إن الحاجة للتربية على حقوق الإنسان هي ذاتها الحاجة لنشر الوعي والتثقيف من خلاله حتى نُنشأ أجيالا مؤمنة ومتشبعة بمفاهيم حقوق الانسان، خصوصا إذا كان من ضمن أهم غاياتنا (إنشاء) أجيال تؤمن بالمساواة وعدم ممارسة التمييز العرقي أو الديني أو حسب النوع (الجندر)، وعدم التمايز في التعليم والصحة وكافة الأمور الأساسية الأخرى التي يحتاجها أي مجتمع حقيقي يؤمن بحقوق أفراده، لنصل إلى مواءمة مع مفهوم «المواطنة الصالحة».
لذا يجب الحرص على قبول هذا المفهوم متوافقا مع ممارسة التعايش الحقيقي، ودافعا بمفهوم المجتمع المدني الذي مهمته توفير الحماية لحريات كل الأفراد وقبول اختلافاتهم وسلوكياتهم الحياتية بما فيها: الاجتماعية والدينية، وكل هذه الأمور تأتي في إطار من الاحترام والقبول قبل كل شيء، حتى في ممارسة حرية النقد وإبداء الرأي مع احترام الرأي الآخر، لتكوين رؤى مستنيرة كاملة، فالأوطان والمجتمعات لم تخلق إلا لجمع كل المختلفين.
وختاما، إن التربية على حقوق الانسان هي ذلك الخط الرفيع بين (الحق) و(الحقيقة) المبني على فهم الحريات بمعناها الأكبر، وقبولها، والتعايش معها منذ البدايات، لتصبح المعيار الأخلاقي والقيمي لكل الناس، والبوصلة الإنسانية التي تحرك كافة أفراد المجتمع نحو قضاياهم الأساسية، وان الاختلاف في كل شيء سيكمل الجميع في تجانس اجتماعي قوي لن ينتقص أبدا من حق أي فئة على فئة أخرى، بل على العكس سنجني وطنا أجمل بـ «شوية» وعي.