كان هناك ذاك الطفل يقف لوحده لا سند له سوى صناديق الفاكهة المصفوفة امامه للحظات، ليعطيها ظهره لاحقاً و يلتفت لصيحات الاطفال الآخرين المتصاعد من نوافذ الفصول في المدرسة التي يبيع صناديق فاكهته على ارصفتها.. يشبههم كثيراً و يماثلهم في الطول و الوزن و الملامح في اغلب الأحيان يتكلم بذات لهجتهم و يعيش على ذات الأرض التي يسمونها (الوطن) و لكن لا يحظى بفرصتهم في التعليم .
ليس لانه لا يرغب بل لإن ( التعليم بدون حق للجميع ) ..
ف خيارات التعليم ليست مفتوحة و مستحقة لجميع الاطفال و بالذات للأطفال من الكويتيين البدون ربما يكون هذا مثالاً حياًّ قد مر على الكثير منكم و رأيتموه كثيرا خلال مروركم بالشوارع بالقرب من مدارس أولادكم و قد يخلق شعور عابر من الأسى و قد يختفي لاحقاً لأنه لا يمسكم بشكل مباشر ..
و قد تتأثرون و تشعرون بالأسى لأنكم بالتأكيد لتسقطوا ذات الموقف عليكم حسب نظرية
(ماذا لو) كنت انا مكانه أو أحد أبنائي مكانه ؟!
ليبقى التساؤل عن ذات الموقف و عن ذات الطفل و عن ذات الظروف التي تسببت في هذا الامر
لكن الأكيد و الاقسى و الأمر هو الشعور بالاختلاف و بالعزلة و بالازدراء على كل الظروف و الأسباب التي تسببت بهذا المنظر المزعج للقلب و العقل و الذي نراه و نشاهده باستمرار و باختلاف أسماء المدارس و المناطق في الكويت لنجد آخرين يجددون هذا الشعور البائس و الألم لدينا على هؤلاء الصغار حيث لا تتمنى الا أن تراهم بين اقرانهم و بين بقية تشبههم من الجموع و في مساحة تحفظ حقهم بالأمان و السلامة و (العدل) .
ليظهر فيما بعد مشهد اخر لا يختلف عن سابقه في البؤس و لكن يرينا ماذا يصنع التمييز و العزل في نفوس البشر فما بالك بالاطفال و المراهقين..
و لعل الكل يتذكر قبل سنوات قليلة عندما ابتهجنا بقبول وزارة التربية و السماح لعدد من ابناء و احفاد العسكريين بالانضمام لاقرانهم المدارس الحكومية و كان غالبية من يعمل في السلك التربوي و التعليمي حريصاً على هذا الادماج لسد هذه الهوّة من التمييز و البعد الإجباري و لحل خلل سببته سنوات من البقاء في اماكن متهالكة شديدة البؤس و من المفترض انها كانت و لا زالت مدارس أهلية .
ليعودون لاحقاً الى مكانهم الأصح و الأحق و لكن ماذا بعد ذلك نجد البعض منهم يخشى أو ربما لا يحب الاختلاط بغيره لسبب لم يختاره و لم يتسبب به هو أو الآخرين من اقرانه من الطلبة ..
بل ما تسببت به هي سنوات فاصلة تراكمت و تفاقمت بالظلم و العنصرية لتجعلهم و كأنهم من مجتمعات مختلفة غريبة عن بعضها رغم كل التشابه الموجود فيما بينهم رغم كل شيء كننا نعلم و نرى ما تسببت به هذه السنوات من جعل هؤلاء الطلبة الصغار مبتعدين نفسياّ عن من هم حولهم ، مهما بلغت المحاولات للجبر و للدمج فقد خلق كسراً و شرخاً تسبب به سنوات من التصدّع لتحدث جرحاً في النفوس كانت هذه عينة من مأساة لصغار يفترض ان التعليم المتكافيء و الغير متمايز هي أولى الخطوات التي ستنقذهم من اول صفوف المأساة التي صنعت قسراً و منذ سنوات عدّة ، بالعزل و الفصل و المنع و التمييز و التهميش و الخذلان لطفولتهم و لإنسانيتهم قبل كل شيء نتباهى بممارستنا للحقوق و كننا و لا نزال نخذلهم انسانياً بالصمت المتتالي على الانتهاكات المتجددة وعلى الأعمار التي تتساقط يومياً ،قهرا و ظلماً و حرقاً لا لشيء الا لأنهم بالوصف ( بدون) .
* تربوية و مدربة حقوق انسان للاطفال واليافعين
MAlshuwaihan@