
طويلة هي الساعات التي أسرح فيها متسائلا هل ذاتنا العربية بقيت كما هي بعد سنوات من بزوغ أحداث الربيع العربي؟ وإذا لم تبق كما هي، فأين علامات تغييرها؟ أما إذا لم تتغير، فما الذي سيهز أعماق فكرها كي يبدأ مشوار التغيير في حياتها إذا لم يحرك سكونها ما حملته أحداث الربيع العربي من عصف ذهني على أقل تقدير؟
سأسمح لنفسي أن أجيب على تساؤلاتي وفق ما عشته من تجربة شخصية، قبل أحداث الربيع العربي، فقد كنت مهتما كثيرا للنظر إلى الذات العربية عبر سؤال: من هي الزعامات القادرة على إنتشال الأمة العربية من واقعها؟ يكاد يكون هذا السؤال قد شغل بالي ليل نهار، حتى لو كنت أردد مقولات مثل «حق الإنسان العربي في المعرفة»، إلا أني في صميم قناعاتي كنت أنتظر ظهور زعامات في الساحات العربية تكون قادرة على فعل المستحيل من أجل كرامة وحرية الإنسان العربي، بقدر أكبر من قناعتي في سعي الإنسان العربي لتحقيق ما أعتقد أنه مستحيل.
قبل أحداث الربيع العربي كنت لا أكترث إلى فهم خطأ الإنسان على أنه معلومة يمكن أن يستند عليها الإنسان للتقدم نحو الازدهار، وإن كنت أعرف بشكل نسبي أن هناك سياسات وتوجهات رسمية وغير رسمية تقلل من شأن الانتصارات العربية أيا كانت مبررات هذا التقليل، وتعتبر كل خطوة عربية مسيرها خاطئ ومصيرها الفشل، ويترافق مع كل ما ذكرته من قناعات ما يمكن تسميته بتقديس شخصي يصل بقدرات أي زعيم ومناضل إلى حدود المثالية، وهذا ما يُوقع الإنسان ربما إلى نسيان ذاته أو تحطيمها شيئا فشيئا، لأن جل تفكيره مأخوذ بما يتصور أنها قدرات مثالية لا يمكن مراجعتها أو محاسبتها.
نعم هناك أفراد مُلهمين كانوا وسيظلون نبراسا لغيرهم في الأمة العربية وفي غيرها من الأمم ، وهم أصحاب مبادئ لا يحيدون عنها، إلا أن تقديس هؤلاء المُلهمين يجعل من الإنسان تابع لا يمتلك القدرة في المراجعة والتقييم والإسهام، فكيف أساهم ببناء ما أعتبره هيكل مُقدس؟
ثم جاء الربيع العربي ليهز هذه القناعات من أركانها، وإن كانت هذه الأركان متصلبة لأنها مغروسة في الكثيرين، وأنا أحدهم، منذ الصغر، فجاء الربيع العربي بمفاهيمه ومظاهراته ليعطي الدليل على أن الأمة العربية لا تنتظر فارسا إلا إنسانها العادي، فشبابها وشاباتها هم «إنسانها العادي».
لقد خلخل الربيع العربي تقديس الأفكار والزعامات، لأن عقل الإنسان العربي تشبع من قيود التبعية، وعرف أن حرية التفكير من حقه، كما أن علامات تغيير الذات العربية وانتقالها من التبعية إلى الاستقلال، قد نراها في موجة التصادم الاجتماعي بين الناس أنفسهم، وليس فقط بين الكثير من الناس والسياسات الرسمية، بين من يرى أن التبعية موروث لا يجوز التخلي عنه، وبين من يرى العكس، وقد نراها أيضا في موجة المحاولات والأخطاء التي بالضرورة قد وقع فيها الإنسان العربي الساعي نحو التغيير في مسيرة شاقة، فكما قيل في عز أحداث الربيع العربي، علينا توقع الكثير من المعاناة في سبيل حياة عربية حرة.