
أنا ومن هم في جيلي، من مواليد نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن العشرين، نتذكر الاحتلال العراقي للكويت بشكل نسبي جيد، حين وقع في الثاني من أغسطس ١٩٩٠، كان جل تفكيرنا هو كيفية تحرير الكويت من هذا الاحتلال.
نعم كان هناك تنوع في أشكال مقاومة الكويتيين للاحتلال العراقي الذي دنس أرض الكويت من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها حتى غربها، وحاول استغلال أكثر من حجة لشطب شعب الكويت، حتى فلسطين بجلالة حقها لم تسلم من استغلال المحتل العراقي.
لكن لماذا فشل الاحتلال العراقي بشطب شعب الكويت؟ وجواب هذا السؤال يكمن باعتقادي في أن هوية الشعب قائمة على أرض وحياة مشتركة، وهذا السؤال يفتح الباب أيضا لأسئلة أخرى هي: هل يصح الاهتمام البالغ في تحرير مكان ما دون آخر في بلد ُحتل مهما بلغت أهمية ذلك المكان؟ وإذا كان ذلك المكان المعين بالغ الأهمية في حياة الناس – كمحطات البنزين على سبيل المثال – هل يصح أن نتناسى بأن البلد الذي وقع تحت الإحتلال هو من يحتوى هذا المكان وليس العكس؟ وبالتالي أعتقد أن الغاية الأسمى هي تحرير البلد، كل البلد، وعلى أساس ارتباط الكويتيون بأرضهم ولهم فيها حياة مشتركة قاوموا الإحتلال، حيث كانت هويتهم الوطنية منبع مقاومتهم المتعددة، وكان كل ما قام به الكويتيون يشير إلى أملهم في تحقيق غايتهم، من التظاهرات إلى حمل السلاح إلى العصيان المدني، إلى العمل التطوعي في أماكن عدة، كالمستشفيات والمخابز، حتى رفع القمامة من الشوارع.
والاحتلال الصهيوني لفلسطين كمثل أي احتلال، هدفه قلع الشعب من جذوره، وجذور شعب فلسطين لا تقتلع لارتباطها بالأرض والحياة المشتركة، على عكس جذور الصهاينة التي لا تقوم على الارتباط بالأرض والحياة، بل أساسها معتقد ديني.
إن الفرق شاسع بين الارتباط بالأرض وبين الإيمان بالمعتقد الديني، فالأول يقدم نفسه على أساس وجود حياة مشتركة بين الناس، وهذا ما يمكن التأكد منه عبر دراسة التاريخ، وأما الثاني فيقدم نفسه على أساس أنه فوق التاريخ وله الطاعة، ولو تمت دراسته سنجد أنه يستخدم المفاهيم البشرية كالطاعة، فكيف تدعي الصهيونية أنها إيمان مطلق وتستخدم مفاهيم بشرية في إيمانها المطلق؟ وهي بنفسها تقول أن إيمانها المطلق هو اعتقاد ديني، فيعني أنها ليست شعبا، وهي كذلك بالفعل، لا شعب تملك، ولا دولة تملك.