
أعتقد أن التطرق لموضوع فهم الأطفال العرب للأخلاق يبعث على المعاناة، أكتب معتقدا ذلك لأن للمعاناة وجه إيجابي يحث الإنسان على الإدراك، ومن ثم العمل على تخطيها بعد تجربة حلول عدة لها. إذن المعاناة رغم مرارتها إلا أنها تضيف للإنسان خبرات.
والسؤال: لماذا يبعث التطرق لفهم الأطفال العرب للأخلاق على المعاناة؟
أتصور أن هناك أكثر من سبب لذلك، أولها: هو أن معاناة تعلم الأطفال العرب للأخلاق هي مضافة وليست فقط بديهية أو فطرية، والإضافة التي أقصدها ناتجة عن تحمل الوالدين ومن ثم الأطفال لأساسات تربوية لا أساس لها سوى الاعتقاد!
فعلى سبيل المثال يتذكر ربما كثير من آباء اليوم حينما كانوا أطفالا لغة التخويف التي تقال لهم، وتحذرهم من الخروج من المنزل فترة الظهيرة، حيث كانت تعتمد على تنبيههم بوجود «وحوش خرافية» تحوم في فناء المنزل، وتهاجم الأطفال لو أنهم خرجوا. هذه الوسيلة يلجأ لها الكبار سابقا لكي يضمنوا عدم خروج أطفالهم الذين لا يستطيعون غالبا تفنيد وجود هذه الوحوش الخرافية، حين ينالوا هم قسطا من الراحة.
مثل هذا الاعتقاد قد يراه الكثيرون مقبولا، بحجة أنه مسألة خاصة تعتمد على من يعتقد بها، وبحجة أنه قيد مثل بقية القيود التربوية، وفيما يخص أنه مسألة مقتصرة على من يعتقد به فهو فعلا أمر خاص بمن يراه وسيلة صحيحة في تربية أطفاله، أما فيما يخص أنه قيد مثل بقية القيود فهنا علينا أن نتساءل مرة أخرى عن الأساس الذي انطلق منه هذا الاعتقاد، فلو كان أساسه نابعا من التجارب البشرية فإذن يمكن مناقشته والاتفاق معه أو الاختلاف، أما إذا كان أساسه من الطاعة كما يعتقد معتقديه، ومن ثم يكون مقررا للحفظ وملزما للتخويف، فكيف يستوي الأساسين؟ أليست هذه معاناة مضافة فوق معاناة القيود والمفاهيم التربوية النابعة من التجارب البشرية؟ فلماذا أقوم بتخويف أطفالي من أمر وهمي ؟
أما ثاني أسباب معاناة التطرق لكيفية تعلم الأطفال العرب للأخلاق، فينتج عن وجود حائط صد ممتد من البيت إلى المدرسة إلى وسائل الإعلام إلى القوانين بما يمنع أو يعطل هذا التطرق. وأنا على كل حال لست مختصا بشئون تعليم الأطفال، فهناك الأخبر مني في بحث تفاصيل هذا الموضوع الشائك، لكن أن تعيش تجربة الأب ربما تسمح لك قليلا في نبش كيفية تربية الأطفال العرب.
إن الأخلاق وعاء يضم خليطا من الصفات والمفاهيم البشرية النسبية، غالبها قد يكون متفق عليه، لكن بالتأكيد ليس كلها، والهدف من وجود أخلاق متنوعة لا مسؤول عليها، هو ضمان حق الجميع في حياة قادرة على فهم المتغيرات والبقاء معها في تطور مستمر، الضمان أن نكون عرب أحرارا، أرضا وعقلا.