
تصف د.سلوى صالح في كتابها «دثريني يا خديجة»:
«الأرض على أنها المجال الذي تعتمل فيه العناصر الاجتماعية والمعرفية، إلى حد النضج فطفت إلى السطح وأخذت طريقها شيئا فشيئا إلى أن انتشرت وسادت عبر صراع مرير حُددت ملامحه ونتائجه أرضا .. فالمخاضات تجري في الأرض».
إذن، للأرض تأثير على حياة الإنسان، فهو ابنها الذي يستمد منها هويته، ومن موقعها وظروفها تتبلور شخصيته، وعلى أساس معاناته من أوضاعها يحدد أهدافه ويرسم منهجه.
والكويتيون كأي جماعة بشرية وقع تأثير موقع أرضهم عليهم، فأرضهم الصغيرة الحجم، هاجر سكانها إليها من بلدان حولها أكبر منها، وكما يبدو من قراءة تاريخها فإن سكانها تطبعوا بما وجدوه في أرضهم، العربية بالخريطة والتاريخ واللغة، وبالمصلحة أيضا، حيث بحرها مصدر رئيسي لرزقهم، وتتفرع منه مصادر رزق أخرى لهم كبناء السفن، والتواصل مع الآخرين للبيع والشراء وتنزيل البضائع.
عرف الكويتيون أن الاختيار فيما بينهم هو سبيلهم نحو حياة كريمة، وباعتقادي فإن تداول الرأي فيما بينهم وحرية اختيارهم لنظامهم السياسي، من أولى خطوات منهجهم الذي استمر بالانتقال، حتى ولو بشكل متقطع بأحداثه وبمتغيرات الحياة عليههم، بين أجيالهم، لذلك لا غرابة أن نرى اليوم أو غدا أو بالأمس القريب، الكويتيون قاموا بحقهم وواجبهم بالدفاع عن حريتهم والتمسك بكرامتهم في شتى الظروف.
ولنا في عام 1990 مثال على ذلك، فقد شهد هذا العام إنسان من الكويتيين لم ينفك عن كرامته وحريته، وهو «مبارك النوت»، الذي رفض الحل غير الدستوري لمجلس الأمة السادس عام 1986 وتعليق بعض مواد دستور الكويت الصادر عام 1962، ونادى بعودة الحياة الديمقراطية ونادى الكويتيون خلفه في دواوين الأثنين.
وعندما وقع الغزو العراقي في الثاني من أغسطس في نفس العام، استمر مبارك النوت على نفس نهج كرامة الكويتيين، رافضا التنازل عنها من خلال عمله رئيسا لجمعية العارضية التعاونية، فأذل غطرسة قوات الإحتلال، التي تجد من مفر إلا بقتله أمام من شهد الواقعة، ومنهم د.مساعد العنزي أحد المسؤولين الحاليين في جمعية الهلال الأحمر.
إن منهج «كرامة الكويتيين» قد نبع من الأرض، ولم يؤلفه فرد، وقام ابن من أبناء هذا المنهج بتنفيذه في ظرفين مختلفين، ولم يَمتن من الكويتيين أحد، إنما من حقهم استمرار تثبيت منهجهم وحمايته دوما، وجيلا بعد جيل.