
في إحدى الزيارات التي تفرجت من خلالها على تدريب مجموعة من الأشبال على لعبة كرة القدم، سمعت المدرب يقول للاعبيه «تحدثوا مع بعض، تواصلوا وأنتم تلعبون»، ورغم فارق الخبرة الشاسع بين المدرب والأشبال، إلا أنه لم يعاملهم معاملة القاصرين المسلوبة إرادتهم، فبعبارته القصيرة والمختصرة بدأ بزرع فكرة الثقة الذاتية في عقول اللاعبين الصغار، من خلال تواصلهم التلقائي، وهذا الاعتماد الذاتي وإن كان نسبي في كل الأحوال، إلا أنه يفتح الباب أمام الأشبال ليمتلكوا شيئا فشيئا قدرة اكتشاف الأخطاء ومواجهتها والسعي إلى تصحيحها بأنفسهم.
أكاد أجزم أن هذا المدرب – بعلم أو بغيره – لم يقل عبارته إلا بعد تجربته لأهمية اكتساب السعي الذاتي من آخرين سبقوه وعلموه.
إن بعضنا يرى الناس في الكويت من منظور «العقل القاصر» يدفعه في هذا اليأس، إضافة إلى يقينه بمحدودية عقل الإنسان، أن تواصل الكويتيين لترسيخ كلمتهم في وطنهم منذ مطلع العشرينات من القرن العشرين، لم يجدي نفعا في الماضي ولن يجدي نفعا في الحاضر والمستقبل، جاهلا أو متجاهلا أن محدودية العقل البشري لا تعني – باعتقادي – عجزه، بل تعني وجوب سعيه المستمر عبر الأجيال نحو حل ألغاز الحياة وأسرارها ومشكلاتها.
إن اليأس الذي قد يدفع البعض للدعوة إلى إلغاء مجلس الأمة، جراء ما نراه من اختلاف حاد بين بعض نواب مجلس الأمة، أو ما نراه من تعدٍ حكومي على حقوق ممثلي الشعب في المشاركة الشعبية، وفي عقد الجلسات، ما جعل مجلس الأمة أقرب إلى المعنى بلا قيمة، لكن لو عدنا إلى تأسيس مجلس الأمة فسوف نعرف أن وجوده لم يكن وليد لحظته، وهو كما قيل صدقا نتيجة تواصل الكويتيين جيلا بعد جيل نحو مطلب واحد، وهو الحياة الحرة، هذا التواصل الشعبي وإن كان بطيئا لا يخلو بالتأكيد من الأخطاء، ما يعني أن عقول الناس في الكويت ليست قاصرة، والتطور الذي يتمناه البعض وفق قرار ما من الحكومة، هو تطور موهوم، فالحكومة ليست إلا سلطة تنفيذية أمامها دستور تتعاون مع السلطة التشريعية على أساسه، فلا الحكومة مصدر السلطات إنما الشعب، ولا عقول الناس في الكويت مكائن تعمل وفق برمجة لا تفكر ولا تسأل ولا تناقش ولا تقرر.