
بعد عناء وطول انتظار، وبعد أن اقتربت من عمر السابعة عشر، ظهر اسم والدي لقرعة المنازل، في منطقة جديدة، تم اقتطاعها من منطقتين، وحصلت على اسمين!
استلمنا المنزل، واخترت غرفتي. كان منزلنا كبيرا وذو طوابق متعددة، بحيث حصلت غرفتي على الإطلال، فعن اليمين يمكنني التمتع بإطلالة بحرية، لكن لا أجرؤ على أن يستقيم نظري، أو يميل لليسار، لأنها مناظر تحبس الأنفاس، أو بمعنى أصح تحبس الأرواح، لكن ليس هذا هو ما أرغب بالـ (تحلطم) بشأنه.
من نواحي التعليم والأمن والصحة وغيرها، فقد تم تشارك المنطقة من قبل عدة محافظات كالفروانية والجهراء والعاصمة! وأيضا ليس هذا ما أريد أن (أتحلطم) بشأنه.
بعد مضي ما يقارب عشرون عاما، تم إجراء ترميمات ببناء المسجد، كما حال الكثير من المنازل، وحين سأل رجال المنطقة تم إخبارهم بأن هذه الترميمات للواجهة، وقد تكون للتوسعة، وأمور كتلك، لكنها كانت تعديلات أكثر من ترميم شكلي أو توسعة، ليتم إخبارنا بعد مضي عدة أيام أن تجاه القبلة قد تغير.
بعد أكثر من ثمانية عشر عاما كنا نصليها تجاه القبلة التي تم بناء المسجد عليها، تغيرت، وأنا لا أتحدث عن ميل بسيط بالاتجاه، بل ميلان بزاوية حادة، تقارب 45 درجة، وطوال المدة السابقة لم نشكك بمصداقية وزارة الأوقاف أو نستخدم برنامجا يبحث عن القبلة، لثقتنا بالإمام وولي الأمر وأصحاب القرار.
وهذا ما دفعني للتساؤل: هل كل ما نفعله بتلقائية هو صحيح؟!
الكثير من الأمور التي تعلمناها من أهلنا، من مدارسنا، من الصحف والبرامج التلفزيونية، من مؤسسات الدولة وهيئاتها، من كل ما يدور حولنا، هل هي صحيحة؟!
أوقات طعامنا، عدد وجباتنا، مرات تفريش أسناننا، عدد الساعات التي نحتاجها للنوم، الخطوات التي نحتاجها لنخفض من أوزاننا، عدد الكواكب فوقنا، وجود الفضاء من عدمه، كروية الأرض إن كانت كرة، قبة السماء إن كانت مرفوعة بعمد أو بلا عمد، وغيرها الكثير من الأمور العادية البسيطة إلى الأمور الكبيرة العميقة والمعقدة، كلها تحتاج أن نشكك بها ما لم تكن من الثوابت بالقرآن الكريم، نشك لنتأكد، ونصل إلى اليقين، بأنفسنا، دون الاتكال على غيرنا بعملية البحث والاستنتاج، لأنهم سيخبروننا باعتقادهم واستنتاجاتهم وأفكارهم الخاصة بهم، ولأنهم لن يقولوا الحقيقة كاملة، فليس الكل بالمصداقية والشرف نفسه.
لكن الأغلب يعيش تحت ظل مقولة: (قطها براس عالم واطلع سالم)، وما هو إلا عذر لعدم التفكير والتفكر، والله يقول (أفلا يتفكرون).
ملاحظة: حتى العالم صار الآن يغير رأيه، حسب المزاج أو السياسة أو برنامج (السوشيال ميديا) الذي يستخدمه.