
شرطي يتعرض للضرب.
طبيب يتعرض للضرب.
معلم يتعرض للضرب.
عبارات صارت متناولة كثيرا في الآونة الأخيرة، وقد خسر رجل الأمن هيبته، وضاع من الطبيب تقديره، وفقد المعلم إجلاله وتوقيره.
ولم يتوقف عند هذا الحد، بل اندثر احترام الكبير بشكل عام، بغض النظر عن مكانه ومكانته، فلا احترام لأم أو أب، لا اعتبار لرجل الدين أو السياسي، لا تقدير للمدير أو العامل، لا مراعاة لأي مهنة، إلا من قلة قليلة، ما زالت متمسكة بالأخلاقيات الجميلة، وتحافظ عليها، وتتناقلها كإرث قيّم.
باعتقادي أن السبب لخسارة هذه القيم، يعود إلى خسارة المعلم لمكانته، وهذا يعود إما لاستخفاف الأسرة بالمعلم ومكانته، أو بسبب الإعلام ودوره الكبير الذي يلعبه في المجتمع.
فقد ذكر د. مصطفى كمال حلمي (وزير التعليم العالي في مصر سابقا) أن مسرحية مدرسة المشاغبين كانت واحدة من أسباب كثيرة أدت لانهيار منظومة التعليم في مصر، وتدنيه، لأنها أفقدت المعلم الاحترام والهيبة نتيجة السخرية والاستهزاء والنيل من المعلم والعملية التعليمية.
وهذا بالطبع قد امتد إلى غالبية الدول العربية، فقد كان للمعلم في الزمن القديم مكانة واحترام وهيبة، إذا ما تجول بمكان، أو مر بمدينة، إلا ويحظى بكل الاهتمام والرعاية والتقدير، من كل شرائح المجتمع، إلا أنه في الوقت الحالي تم تهميشه وتكبيله، تم تفريغه من دوره والتقليل من شأنه، فما نراه من ضياع للأخلاق واندثار للقيم سببه بالدرجة الأولى هو النيل من رسالة المعلم.
أعلم أنه ما زالت هناك مجتمعات تقدر المعلم وتبجله، كما أعلم أن هناك معلمين استهانوا بمكانتهم، فلم يحملوا هم رسالة التعليم والعلم، ولم يبذلوا جهداً بتقديم حصة دراسية متكاملة، أو مراعاة أسس التعليم الصحيحة، لكن كل ذلك لا يمكنه إنكار الإنقاص الواقع بحق المعلم، وقد شهدنا تبعاته، ولا يمكنه تغطية التضاؤل الذي يعانيه، فمهما كان حجمه صغيرا، ولا يرى بحجم كبير في الواقع، إلا أن آثاره لا يمكن الاستهانة بها.
فحين تغيب أهمية المعلم في المجتمع، ويتم التقليل من مكانته حتى يحتقره الطلبة ويزدرون العلم الذي يقدمه، سيختفي المعلم المخلص، ويهدم التعليم، وحين يضاف إليه اختفاء الأم الواعية والأب المدرك، ستسقط الحضارة، ولن يبقى في المدارس علم أو قدوة، بل تقضية وقت فراغ في مدرسة المشاغبين.
تذكير: يمتلك المعلم أعظم مهنة ، إذ تتخرج على يديه جميع المهن الأخرى.
«نجيب محفوظ»